بقلم سماحة السيد محمد حسين فضل الله |
![]() |
{
بقلم سماحة السيد محمد
حسين فضل اللـه
{ بسم اللـه الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى
وبعد : فان الله سبحانه جعل الحج ملتقى لعباده
المسلمين ، يعبدونه في بيته المحرم ولا يشركون به شيئا ويتداولون فيه في
شؤونهم العامة والخاصة ، ويحصلون من خلال لقاءاتهم على المعرفة في كل ما
يحتاجونه من شؤون الاسلام في عقائده واحكامه ، مما قد لا يتوفر لهم في
بلادهم لفقدان الطاقات الفكرية القادرة على الاجابة على اسئلتهم والانفتاح
على قضاياهم ، وفي ضوء ذلك اراد للعلماء ان ينفتحوا على حاجات المسلمين في
المعرفة ليتحاوروا معهم في كل ما اشكل امره في شؤون دينهم ودنياهم ، وحملهم
مسؤولية ذلك ، وكلفهم بالدعوة الى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة
والجدال بالتي هي احسن ، وفرض عليهم الاجابة على كل سؤال يملكون الاجابة
عليه من خلال معرفتهم الثقافية الاسلامية .
وبهذا كان الحج ملتقى للمعرفة من خلال الحوار
والسؤال كما هو موضع للعبادة والتعارف .
وقد كان من توفيق الله لي ان اتاح لي الفرصة للقاء
مع اخواني المؤمنين من الحجاج وادارة الحديث معهم حول اكثر من قضية شرعية
وعقيدية وحياتية مما كانوا يطرحونه في اسئلتهم على اساس الشعار الذي طرحته
في عملي الرسالي ،
ليس هناك سؤال تافه ، وليس هناك سؤال محرج ، الحقيقة بنت الحوار .
وقد رأى بعض الشباب المؤمن جمع هذه الحوارات
والاسئلة في كتاب من خلال تفريغ الاشرطة التسجيلية لتقديمها الى المؤمنين
لتعم بها الفائدة .
وقد عرضها علي ، وأوكلت ملاحظتها الى بعض تلاميذي في
عملية تدقيق للاجوبة التي كانت تنطلق عفو الخاطر (1)
، وقد اجرى عليها - باشرافي - بعض الملاحظات الخفيفة .
انني اشكر للأخ الذي اجهد نفسه في جمع هذه الاسئلة
والاجوبة وتنظيمها وتبويبها ، راجيا من الله ان ينفعه بذلك في حساب الاعمال
الصالحة الهادية الى الخير والصواب ، وان ينفع المؤمنين بما تضمنته من
المعلومات الاسلامية ، وان ينفعني ببركة دعائهم ويوفقني للسير على هدي
النبي محمد (ص) والائمة الهداة من اهل بيته في العمل على الدعوة الى الله
والعمل في سبيله
انه ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل .
20 صفر 1415 هـ
= = =
= = = = = = = = = == = = =
(1) معظم الأسئلة كانت عفوية ايضا ، نتيجة الجو الايماني الذي كان يعيشه الاخوان والاخوات في
رحلتهم
. |
بسمه
تعالى
مقدمة حوار حج عام 1406
لم
تكن تراودني ابدا فكرة ان اقوم بتفريغ الاشرطة وكتابتها بهذا الشكل على
الاطلاق . لقد كان الامر لا يتعدى باديء الامر كتابة بعض الملاحظات الشخصية
على الحوار . الااني وجدت نفسي امام هذا الكم من الاسئلة والاجوبة المكتوبة
ففكرت في ترتيبها وتبويبها ليسهل علي مراجعتها وقت الحاجة . وهنا رأيت ان
اقوم بتوزيع بعض النسخ منها على الاهل والاصحاب لتعم الفائدة حيث وجدت
الحوار شيقا والاجوبة نابعة من فقيه متمكن عاش الوضع ونزل الى الشارع
ليشارك ابناءه مشاعرهم ومشاكلهم وآلامهم وبذلك هضم وضعهم وخرجت اجوبته
نابعة من الواقع بعكس السواد الاعظم منهم الذين لم تتعد حدود معرفتهم
واحتكاكهم العدد المحدود المحيط بهم والفرق كبير والبون شاسع بين هؤلاء
وهذا في الاحساس بمشاعر الامة ومن ثم في طرح الافكار والآراء وتوجيه الناس
وثمة سبب آخر جعلني اتوسع في توزيع النسخ قدر الامكان وفي حدود
المعارف ، ذلك ان من عيوب الواقع الذي نعيشه عدم الإلمام ولو بالحد الادنى
بالمعلومات الاساسية ، وان كان هناك من يعتقد بأن لديه بعض منها فان الامر
لا يتعدى كون تلك المعلومات حصيلة مطالعاته ومن ثم يقوم بتأويلها بما يناسب
مزاجه واهواءه او في احسن الظروف اعتقاده . والبون شاسع والفرق كبير بين من
يتلقى العلم والمعرفة من منبعه بالدراسة وبين من يأخذ نتفا من الكتب التي
يصادفها . لقد اثر هذا الـوضع وهذا الاسـلـوب كثـيرا في واقع حيـاتنـا
اليـوميـة وانعـكست آثارهـا على سلوكية الفرد واصبح الواحد منا
(جاهل
خباط جهالات لا يدري اصاب ام اخطأ
......
)
والادهى من ذلك ان هذه المشكلة تركت اثرها السيء ليس في
واقع حياة الفرد فحسب بل حتى حياة الاسرة
- التي يعتقد افرادها انهم ملتزمون باحكام الله - وبالتالي المجتمع
.
(1)
لقد كنت احسب ان توزيعي عددا من النسخ على المعارف
يكفي لتغيير بعض المفاهيم وتصحيحها الا اني ومع الاسف وبعد مرور عدة اشهر على ذلك ومن خلال
احتكاكي ببعض منهم وجدت ان الامر كما كان عليه
(
وهل يصلح العطار ما افسد الدهر
)
بقيت هناك نقطة اثارها عدد من الاصدقاء
الا وهي كتابة النصوص كما هي وتكرار الاسئلة والاجوبة في الموضوع الواحد ،
اما فيما يتعلق بالنصوص وكتابتها كما وردت بالاشرطة فاني لم اعط نفسي حق
التعديل فيها ، لان التعديل حق صاحبها وحده اما التكرار فقد وجدت في بعض
الاجوبة ما هو اشمل واعم من مثيلاتها وان كانت الاسئلة متشابهة ، وقد يقول
قائل انه كان يمكن الدمج ، واقول "
ان الدمج نوع
من التعديل
" .
قد لا يجد القاريء نصوص بعض الاسئلة او يجد بعض فقرات او كلمات
الاجوبة مبتورة ، ان السبب في ذلك يرجع الى عدم وضوح تسجيل الاشرطة رغم اني
بذلت جهدا ليس باليسير في محاولة فهم النصوص ، وقد كنت في بعض الاحيان
استعين ببعض الاصدقاء في مراجعة بعض الأشرطة "
الا
انه ليس بالامكان احسن مما كان
"
ولا يفوتني هنا ان اسجل الشكر والامتنان
لكل من ساعدني ووازرني في اخراج هذا السفر بدءا بولدي الصغير (2)
الذي كان يتلهف في توفير الجو الملائم سواء عند كتابة المسودات من الاشرطة
او عند تبويبها وطباعتها وترتيب صفحاتها ، وكان في كثير من الاحيان يساعدني
بقراءة المسودات ليسهل علي عملية الطباعة ، وكذلك زوجتي التي آزرتني طوال
المدة وهي تراني منهمكا في العمل ، ولقد كان لحسن استقبال الاصدقاء
والمعارف للاجزاء التي كنت اطبعها أولا بأول الأثر الكبير نحو المضي قدما
في انجاز هذا العمل . ومن قبل هذا وذلك توفيق من الله لي بذلك ومنه علي ( رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ
وَعَلَى
وَالِدَيَّ
وَأَنْ
أَعْمَلَ
صَالِحًا
تَرْضَاهُ
) ولله الحمد مبدءا ومعيدا
محرم
الحرام 1408
ملاحظة :
الحرف (ل)
امام السؤال يعني حوار في لبنان
============================
(1)
يقول الكاتب الاسلامي الكبير فهمي هويدي
في كتابه القيم - وكل كتبه قيمة - " ازمة الوعي الدينى
ما يلي :
وغاية المراد من هذا الكتاب هو ان يكسر حالة - او حاجز - الاغتراب عن
الواقع التي يعاني منها العقل المسلم المعاصر ، من جراء ظروف الخلل الثقافي
التي تتابعت عليه ، والتي لايزال يعيش في ظلها ويعاني من ضغوطها .
ويقول في مكان اخر :
.........
كان الشاب بادي
الصلاح والذكاء ، حار العاطفة ، ولكن وعيه الديني كان محدودا للغاية . كان
قارئا ولم يكن فاهما ، من تلاميذ اهل الرواية الذين قل حظهم من الدراية ،
اعني ان مشكلته لم تكن في قلة الدين ، ولكنها - بصراحة - كانت في قلة العقل
! ليس وحده ، ولكنه جزء من ظاهرة عامة ، تتبدى في قطاع المتدينين بشكل اخص
، تتلخص في تقديم العاطفة وتقهقر العقل ، وانفصال العلم عن الفقه ، وكثرة
الحافظين وقلة الواعين .
(2)
كان يومها في المرحلة الابتدائية ، واصبح الان طبيبا ، سدد الله
خطاه ووفقه لمراضيه ( ج
ح ) |
تـقـديـم
لقد شهد هذا القرن تطرفين دينيين متناقضين تماما ، فقد اشتد في اواسط النصف
الاول من هذا القرن النزوح عن الدين في تطرف بالغ ، فكل ما يدعو اليه خرافة
عفا عليه الزمن وتخلف لا يليق ولا يتلا ئم مع القرن العشرين ، قرن النور
والتقدم ، او هو افيون الشعوب يخدرها ويعيقها عن كل تقدم كما يحلو للبعض
الآخر ان يسميه .
وكثير من الذين لا يزالون يخضعون لبعض تعاليمه ويشعرون برغبتهم في التمسك
به ، كثيرا ما يجرون خلف مفاهيم التطرف ايضا ، فيفسرون كثيرا من تعاليم
الدين على انها كانت نتيجة حاجة وظروف خاصة ، فالصلاة هي رياضة فكرية
وبدنية يمكن استبدال جانب منها بالموسيقى والغناء الهادئين كما يفسر بعض
شعراء العصر ، لا صلاة سوى الغناء ولا صوم سوى ان يطهر العبد قلبه ، ولا
حاجة للصلاة ما دام الانسان يقوم بأعمال رياضية بدنية ، وتأملات وجدانية
تطهر روحه وتمنعه من ارتكاب كثير من الاخطاء ، فالصلاة انما شرعت لتمنع من
الفحشاء والمنكر ، والفحشاء والمنكر مفهومان قابلان للتطور ، ومفهومهما
اليوم لا يجب ان يتجاوز الالتزام بمكارم الاخلاق الاساسية كالصدق
والاستقامة ، اما الامور الاخرى كالجنس والخمر انما حرمت للطبيعة الجاهلية
التي تسرف في ذلك عادة ، والربا انما حرم فيما اذا كان اضعافا مضاعفة ، و
.....
و
......
الى آخر هذه التخرصات والاجتهادات مقابل النص .
وباختصار كان الاتجاه السائد هو التحلل من كثير من التعاليم والتقاليد
الدينية
او بالاحرى تحليلها ، فكل حرام كان لسبب وكثير من الاسباب قد زالت
الآن ، لذا لا حراجة من ان يصبح حلالا ، وهذا التطرف في التفسير دفع قسما
آخر من الناس الى التشبث حتى بالخرافات والاوهام كرد فعل .
اما بعد الثلث الاول للنصف الثاني من هذا القرن فقد اخذ التطرف - وربما
نتيجة ردة فعل ايضا - شكلا آخر اذ اصبحت الدعوى هذه المرة الى التزمت حتى
من قبل الطبقات المثقفة في بعض الاحيان ، واصبح الاتجاه هذه المرة على
النقيض من الاتجاه السابق ، وهو التحريم والتضييق في كل شيء واصبح التطرف يشمل تحريم الدبكة والرقص في اي شكل ومكان كان ،
واللهو البرئ مهما كان ، والاهازيج وشعر الغزل والغناء حتى في الاعراس ،
وحتى لوكان من الزوجة لزوجها ، والاجتماع المختلط على مائدة واحدة ، وفي
زيارة الاقارب والاصدقاء ، وحتى ضمن العائلة الواحدة ، كالأب وابنائه
واخوانه وزوجاتهم وانسى
التطرف والجهل وسوء الفهم هؤلاء ان تحريم الحلال لا يقل ذنبا في اي حال من
الاحوال عن تحليل الحرام .
ونحن امس ما نكون في هذه الفترة من الصحوة
الاسلامية الى رجال دين واعين بعيدين عن المصانعة ليضعوا حدا لهذا التطرف
ولكل تطرف كي لا ينجر مرة اخرى الى تطرف شبيه بالتطرف
السابق الذي يؤدي الى الكفر ومحق وتشويه الرسالة الاسلامية.
والسيد محمد حسين
هو احد هؤلاء العلماء
الافذاذ
الذين يعول
عليهم في تصحيح المسار ويعيد
الناس الى الحد
الوسط
الذي جاء
به الاسلام
الشريعة السمحاء .
(1)
وجامع هذا الحوار يستحق جزيل الشكر على عنايته بجمعه وتبويب اجوبة العلامة
وخاصة في موسم الحج .
ولا أشك ان الايمان والحرص على الانتفاع والحد من التطرف وسوء الفهم كانت
الدوافع الرئيسية على الجهد الذي بذله .
= =
= = = = = = = = = = = = = = = =
(1) يقول المفكر
الاسلامي عبد الحليم ابو شقة في مقدمة موسوعته عن تحرير المرأة ما يلي :
(....... ويلفتنا هذا الهدف الى قضية اكبر واخطر - تستدعي تضافر جهود
العلماء والمفكرين - وهي قضية تحرير العقل المسلم المعاصر ، تحريره من قيود
هائلة وموازين باطلة وأفكار فاسدة سيطرت عليه عبر القرون فأعجزته وشوهته ،
فاذا تحرر من كل ذلك استيقظ وعمل على نور من هدى الله ، وان تحرير العقل
المسلم هو السبيل الذي لا سبيل غيره الى التحرير الكامل والاصيل للمرأة
وتحرير الرجل معها ، بل هو السبيل الى اعادة بناء المجتمع كله على اساس
صحيح متين ، ذلك ان العقل هو الموجه لحركة الانسان ، فاذا تحرر عقله واهتدى
تحررت حركته واستقامت وجهته وانطلق راشدا على نور وبصيرة ، ونحسب ان هذه
القضية هي ام القضايا ، اذ ادت التشوهات المتراكمة الى خلل بالغ في منهج
تفكير المسلم وتبع ذلك خلل عام في جميع نواحي الحياة .
(
ج
ح )
|
(
أتحفني سليل الدوحة الهاشمية وربيب بيت
العلم
والعرفان بما فاحت به قريحته . فحياه الله وعافاه وجعل أجره رضاه . )
1
اغلق الله عز وجل بالسلام باب النبوات والرسالات
، وحدد باكماله هذا الدين علامات الطريق الذي اختطه للانسان - خليفته في
هذه الارض واراد له سلوكه حتى يرث الله الارض ومن عليها استكمالا لغايته من
خلقه .
وقبل الخلق تساءلت الملائكة عن الغاية من خلق الانسان ، فكان رد الخالق
العظيم
: (
اني اعلم ما لا تعلمون
)
..
اجابة غير محددة لأن السائل ليس مطالبا بشيء .
وخلق الله الانسان
..
وكان لابد ان يرد سؤال آخر هو : ماذا يريد الله من الانسان ؟
وهو سؤال يتطلب اجابة محددة
..
لأن السائل مطالب بتلبية الارادة
.. و كانت الاجابة
المحددة قول الخالق العظيم
: (
وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون
) .
ارادة الرب من المربوب اذا تقييد حياته ، بل
وجوده كله بعبادة الله ، فهو يحيا بالله
.. ويصلي لله ،
وينسك لله ، ويموت في الله ...انها
عبادة تستغرق الوجود البشري وتذيبه .
والسؤال الآن
.....كيف
تكون العبادة ؟ وهل هناك للعبادة صورة غير الانقطاع والتبتل ؟ ان صورة
العابد التي تسلسلت الينا عبر الاديان هي صورة الناسك المتجرد من كل شيء
.. المنعزل عن كل
بشر
...
الرافع يديه الى الله ...
الشاغل لسانه بذكره ...الذي
يقضي عمره في تهجد وقنوت وركوع وسجود.
غير ان العبادة في الدين الخاتم غير ذلك ، فقد رفض
النبي الخاتم الرهبانية بلسانه كما رفضها بسلوكه ، وبذلك اعطى مفهوما آخر
هو الحياة .
كانت العبادة تعني السهر...
لكنه شرع النوم وجعله عبادة .
وكانت العبادة تفترض الانقطاع عن العمل
...
لكنه شرع العمل وجعله عبادة .
وكانت العبادة ترى في
الانعزال
...
ولكنه صورها بالاجتماع وجعله عبادة .
وهكذا يلازم الاسلام المسلم في كل لحظة وكل حركة وكل
سكنة .
ليست هناك ساعة للرب وساعة للقلب
...
بل هناك ملازمة مستمرة .
وبهذه الملازمة المتصلة الدائمة يكون نوم المسلم
- حين ينام - عبادة وانفاسه تسبيحا !
2
كان محمد نبيا قبل ان يوحى اليه
..
وذلك جانب من جوانب عظمته .
وصار رسولا حين اوحي اليه
..
وكان اعظم الرسل .
كان عليه ان يضع آخر علامات الطريق الى الله
..
وكذلك فعل .
ولم يبلغ رسالة الله فحسب
..
ولكنه عاشها وجسدها بكل ذرة من كيانه الانساني
..
وكان اعظم انسان .
ولم ينازع احد من المسلمين عبر العصور - الا من ضؤل
نصيبه من الذوق والعلم والايمان - في مكانة الرسول الخاتم ، واهمية دوره في
تحديد المسار ، وهو ما أوضحه الكتاب بأجلى بيان في قوله
(
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا
)
وكان من غير المتصور ان يترك الدليل الأمين
القافلة للتيه والظمأ فأشار قبل ان يلبي دعوة الله الى النبع الذي رعاه
طيلة حياته ، والى الجدولين المتفرعين منه وهو يـقـول : "
اني قد تركت فيكم ما ان اخذتم به لن تضلوا
كتاب اللـه وعترتي اهل بيتي "
وتوفى الله نبيه ، فانقطع بموته وحي السماء
.. وتعرض الجدولان
النقيان لمحاولات شريرة تنوعت اهدافها بين القطع والردم وتحويل المجرى
والتعكير
.. غير ان الذي
انزل الدين انجز وعده ، فحفظ كتابه كما وعد
.. وحفظ نبيه في
عترته
..
و ضمن لمن تمسك بهما ان لا يضل ابدا
.. وكان على من جاء
بعد عصر الرسالة ان يمتحن بالواقع الجديد
..
واقع انقطاع الوحي الذي احدث تغييرا في ( نظام الاتصال) بين الله والبشر .
في عهد الرسالة كان ( الاتصال ) ميسورا
..
نرى سيدة تجادل رسول الله (ص) في زوجها
..
والله يسمع
..
ويصل الرد خلال بضع ساعات ، او بضع ايام .
اما بعد ان رحل الرسول فالوقائع تقع ، والله يسمع
ويرى - كما كان وكما هو كائن - ولكن الرد لا يصل بنفس الاسلوب ، لسبب بسيط
، هو ان الرد
( مخزون ) قبل ان تقع
الواقعة
..
انه نظام اتصال عال ولد في القرن السابع
الميلادي ، يقربه الى الاذهان مثال من القرن العشرين - مع مراعاة الفروق
بين المشبه والمشبه به - حيث نجد - في عالم الجمادات - حاسبا آليا لديه
الجواب على مسألة لم تكتب بعد
..
وعند طرح المسألة على الحاسب عبر ( لوحة المفاتيح ) يأتي الجواب عبر (
المحطة الطرفية ) .
لقد فرضت غيبة الرسول عن العالم
الارضي تعديل نظام الاتصال بحيث تسير فيه الامور دون نبي بديل عن
محمد (ص) اذ الأمر كما قال
"......
الا انه لا نبي بعدي
" .
3
حاجة المسلم الى وزن ما يواجهه في حياته بميزان الله
حقيقة ثابتة لأن تلك الحياة مكرسة لله كما اراد .
والميزان الالهي شامل ، ابدي ، حساس ، كفيل بقياس
الذرات
..
لايفرط في شيء
..
حقيقة ثابتة .
والتفاعل بين الحقيقتين علاقة بين سائل ومسؤول :
السائل
: هو المسلم المكلف الباحث عن ( الحكم )
والمسؤول : هو الشريعة
..
" الحاسب " الذي لا يفرط في شيء .
وفي
مجال تلك العلاقة ( لغة )
و
( ملفات ) و (
سوفتوير ) و
( مستخدِمون ،
بدال مكسورة )
.....
الخ .
اطلقت عليها منذ قرون اسماء خاصة منها : فقه واصول
وكتاب وسنة واستقراء واستنباط واجتهاد
....
الخ
.
وليسهل على السائل الـعـادي ( او العامي بلغة الفقه
) تلقي اجابة كانت
( الرسائل العملية
) ، و ( الرسائل العملية
)
يتوقع منها ان تكون مرشدا سلس العبارة
،
قريبا الى الافهام ، بعيدا عن التعقيد ، يغطي الاحتياجات اليومية
...
الا ان ثمة ( مـشكلة اتصال ) نمت عبر القرون نزعت عن الرسائل العملية تلك
الصفات....
واصبح من غير العملي ان يستفيد
( العامي ) مباشرة من (
الرسائل العملية )
فالعبارات ليست قريبة للفهم ، والاسلوب الذي يكتب به المجتهدون غدا للـ (
العامي ) المسكين متاهة معقدة ، يختلط فيها الاحوط وجوبا بالحوط استحبابا
ويتشابه فيها الاولى مع الاظهر . واختفت في زحمة كتابة الحواشي مسألة
الاحتياجات اليومية والمسائل ( محل الابتلاء ) .
واصبح المرء يقلب صفحات الرسالة العملية بحثا
عن حكم شرب دواء السعال الذي استخدم في تركيبه الكحول فلا يجده ، ولكنه يجد
فتوى
باباحة شرب بول البعير
، ويعيه التنقيب عن حكم الفائدة المصرفية فلا
يعثر عليه ولكنه يجد حكم مسألة
(
من تزوج امرأة
ثم لاط بأبيها
! ! )
.
ظل باب الاجتهاد مفتوحا في الاحكام ولكنه صار
موصدا في تقريب نتائج الاجتهاد الى الافهام
. (1)
وحين جاد الزمان بعد قرون بعلامة عملاق بدأ كتابة
( الفتاوى الواضحة
) بلغة العصر خطفته يد
الغدر السوداء
....... واختفى (
محمد باقر الصدر ) وبقيت ( الفتاوى الواضحة ) التي لما تكتمل تستنزل لعنة
الله على الظالمين .
4
امسينا نعيش نكسة في ( نظام الاتصال ) حيث لم يعد
ذلك الاتصال الميسور ، فقد تعددت المشاكل ، وتنوعت المسائل ، وتضاعفت
احتمالات اللبس فأصبحت بقدر احتمالات اختلاف الظروف التي قد تغير الحكم .
ومن هنا فان من اكثر ما ترتاح اليه النفس استعراض
مجموعات الاسئلة والاجوبة حيث ينبع السؤال من الواقع اليومي ، وترتبط
الاجابة بما هو كائن لا بما لم يكن او قد لا يكون .
وهذه المجموعة من الاسئلة والاجوبة لابد ان تفيد
قارءها في اكثر من مجال
...
فهي تطوف بالقاريء
في ميدان اوسع من ميدان الحلال والحرام ، وفي الكثير من اجوبتها ايماءات
ذكية فيها تصحيح مفاهيم اتخذها البعض مسلمات ، واعطاها حرمة العقائد التي
لا تقبل جدلا .
ولقد احسن جامع هذه الاسئلة والاجوبة - احسن الله
اليه - اذ اطلق عليها اسم حوار
....
فهو اسم يذكر بأمر كثيرا
ما نفتقده ولاسيما بين علماء الدين و
(
العوام ) وليس انعدام
الحوار الا جانبا من جوانب
( مشكلة الاتصال ) دفع البعض من ( العوام ) الى اجتهاد ليسوا من
اهله والتصدي للـــ
( التشريع ) بدافع الخوف
من الوقوع في الحرام
وأظهر نتائج هذا
الاجتهاد ( الاحول ) تحريم الحلال ، وابرز مظاهره تحول
(
المحتاط
) الى
(
حائط
) قاس
خشن الملمس ينفر من الناس وينفرون منه فضلا عن وقوعه - بتحريم الحلال - في
الشر الذي سعى الى اجتنابه ، وضياع الثواب الذي سعى الى اكتسابه .
وعسى
ان يكون انتشار هذا الحوار عاملا على تقليل أمثـال هؤلاء ( المجتهدين ) بين
المسلمين !
=============================
(1)
يقول الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي في تحقيقه لكتاب هداية
الناسكين لصاحب الجواهر ".....
وهذا مما قد يؤخذ عليه وعلى أمثاله من المناسك والرسائل العملية ، ذلك ان
الذي ينبغي ان يتوخى من تدوين الرسالة العملية والمنسك ان يكونا لدى العامي
المقيد للعمل وفق ما فيهما من فتاوى المجتهد - ومن هنا سمي كتاب الفتوى
بالرسالة العملية - وعندما تكون لغة الرسائل او المنسك اقرب الى اللغة
العلمية منها الى اللغة الفصيحة العامة تبعد عن متناول ذلكم العامي المقلد
، ويبعد هو حينئذ عن الاستفادة منها مباشرة ومن غير ان يستعين بالعالم
الفقهي او الطالب الفقهي فتنعدم - او تكاد - الغاية المتوخاة في تأليفها
.....
"
( ج
ح ) |
وردنى من المحــقق الفاضل ، صاحب الموسم
نزيل دار الأبدال ، رد اللـه
غربته وجمع
شمله
ما
يلى :
تلقيت بمزيد من الشكر والامتنان كتابكم النفيس ومجموعكم الثمين المتضمن
لطائفة متنوعة وممتازة من المعارف الفقهية ، وتأملت فيها مليا فأكبرت جهدكم
الجهيد وعكوفكم الفريد على جمع هذه المادة الغريزة التي تبرز أيضا مدى
ايمانكم القوي وصبركم وجلدكم على تسجيل تلك الأحاديث المفيدة
.
فبارك الله تعالى بجهودكم وجزاكم خير جزاء المحسنين
وختاما تهنة من القلب على عملك الطيب . جعله الله من الباقيات الصالحات
|