اديان B0A1
( مقالات , بحوث , كتابات )
(1) كتب التراث ليست مقدسة .. وبعضها يسئ للرسول ( ص) اسلام بحيري http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=24176&SecID=170&IssueID=0 التربية الفكرية الخاطئة التى نشأنا عليها فى أسرنا ومدارسنا ومجتمعاتنا فى التعامل المقدس مع التراث الديني, هى مقدمة سيئة لنتيجة أسوأ نقطف ثمار الحنظل منها الآن. فقد تربينا وشَببنا على قدسية هذه الكتب, والقدسية هنا بمعناها الحرفي, فبعد أن كان التقديس للنص الإلهى، ثم لِما ثبت صحته بنسبة تقترب إلى اليقين من سنن وأقوال النبى الكريم, انسحبت وتخطت هذه القدسية لتعم كل ما كتب ودوِّن إلهيا كان أم بشريا, وأصبحت كتب التراث مقدسات إسلامية محفوظة بحفظ الله... وعليه فإن أى باحث أو عالم أو مفكر ممنوع عليه الاقتراب أو التصوير من هذه الكتب وممنوع عليه الإيماء ولو بالإشارة إلى نقدها, وإذا ما فكر أن يقول للناس من خلال دراسات أكاديمية إن كتب التراث الدينى اكتتبها بشر أمثالنا يأكلون الطعام ويمشون فى الأسواق وإنها يجوز أن تنزل منزل النقد ككل عمل بشرى وإنها تحتمل القبول والرفض والصدق والكذب والصحة والخطأ والإصابة والزلل, فيا ويله ويا كحل سواد ليله, لذا فإننى عندما شرعت فى كتابة هذا المقال عن المقدسات التراثية المتوهمة ارتأيت أن أدلل عليه بشيء ملموس وواقعى من وحى ردود السادة القراء على المقالين السابقين فالسياقات العامة لأغلب الردود كانت تدور حول فكرتين أساس، يتقاطعان ويتداخلان كثيرا مع محور مقالنا عن المقدسات فى حياتنا الدينية, فالفكرة الأولى التى تكررت كثيرا فى ردود القراء كانت تتلخص فى أن هذه الروايات التى ذكرتها فى المقالين لا تؤثر فى أصل الإيمان, وأننا يمكن أن نمر عليها مرور الكرام, أما الفكرة الثانية فسوف أتركها للمقال القادم إن شاء ربي, ونعود للفكرة الأولى، أن هذه الروايات لا تؤثر فى إيماننا, ولا فى صورة النبى الكريم, وأنا أتساءل وعلى فرض أن الروايتين اللتين ناقشتهما فى المقالين السابقين هما الروايتان الوحيدتان المسيئتان للنبى فى طول كتب التراث وعرضها, ومع أن هذا غير صحيح بالمرة إلا إننى سأفترضه معكم وأتساءل لماذا نترك هذه الروايات الفاسدة والمفسدة ثم نمر عليها مرور الكرام؟ لماذا أصبحنا نرتعد جبنا إن أتينا على سيرة الفقهاء والمحدثين وكتاب السير القدامى؟ لماذا لا نقول ونوضح وننقد ونرفض ونقبل ما يعِّن لنا وما يوافق ما أدركته عقولنا وما يتفق مع أفهامنا وزماننا, وقبل ذلك كله ما يتفق مع صحيح القرآن؟ لماذا هذا التقديس المبالغ لكل ما أتى من الأقدمين ؟ فقد صُوِّر لنا أن ما كتبوه ليس رأيهم واجتهادهم البشرى المتوافق مع قدر محاولاتهم وزمانهم. لقد صُوِّر لنا أن هذه الاجتهادات هى من أصول الدين التى أنزلها الله مع القرآن والسنة, فهل يأتنى أحد بدليل على أن رفض أو قبول البخارى ومسلم وابن حبان وأبو داود والنسائى وكل أصحاب السنن لبعض الأحاديث هو من ثوابت الدين، ألا يحق لنا أن نستدرك عليهم وأن نرفض بعض ما قبلوه وأن نقبل بعض ما رفضوه؟ فهل موافقتهم فى كل شاردة وواردة شرط من شروط دخول الجنة؟ بالتأكيد ليس الأمر كذلك، إذن لماذا يدعو البعض إلى ترك الرواية مقدسةً على حالها بدون وضعها تحت سيف النقد الأكاديمى والعلمى, لماذا نمر عليها كما يريد البعض مرور الكرام؟ أليست هذه الكتب هى المنوطة بتعريف سيدنا محمد النبى الخاتم لأمته وللعالمين؟ فكيف نمر على روايات تشوه بل تدمر صورة النبى التى نجدها فى كتاب الله, وكما قلت سابقا ماذا ننتظر من الرسام الدنماركى الذى أساء للرسول فى رسمه؟ إذا كان ما رسمه قد استوحاه من كُتُب المسلمين أنفسهم وهل يظن من يدعوننا إلى المرور على الروايات مرور الكرام أن هاتين الروايتين فقط هما اللتان يحطان من قدر الرسول –حاشاه-؟ فتعالوا أسرد عليكم طائفة بسيطة جدا من حجم الإساءات المخزنة والمعلبة فى كتب التراث المقدسة التى من المفترض أنها تتحدث عن حياة النبى وشمائله وسننه. فهل المطلوب من الباحث المجتهد المنقح أن يمر مرور الكرام على رواية فى البخارى تقول إن النبى الكريم عندما فتر- انقطع- عنه الوحى لفترة طاف برؤوس الجبال يريد أن يتردى- ينتحر- ؟ وهل المطلوب من الباحث أن يمر مرور الكرام على رواية فى كل تفاسير القرآن بلا استثناء, تقول إن النبى- حاشاه- قد ألقى الشيطان على لسانه آيات ليست من القرآن فقرأها وكانت هذه الآيات تمجد فى الآلهة القرشية ثم سجد بعد تلاوتها للأصنام وسجد وراءه كل كفار قريش؟ وهى الواقعة المعروفة فى كتب التفسير بواقعة (الغرانيق)- وبالمناسبة هذه الواقعة كانت هى الوحى والسبب الرئيس والمحرك للكاتب الهندى سلمان رشدى ليكتب كتابه الشهير آيات شيطانية- وهل المطلوب من الباحث أن يمر مرور الكرام على رواية فى البخارى وكافة كتب الحديث عدا كتاب (الموطّأ) للإمام مالك تقول إن اليهود قد سحروا عقل النبى-بافتراض أن هناك شيئا من الأساس اسمه سحر- وإنه كان يتخيل أنه أتى الشيء وهو فى الحقيقة لم يأته بما يعرف الآن فى الطب النفسى بأنه مرض الهلاوس السمعية والبصرية, وأنه استمر –حاشاه- وهو المعصوم على هذه الحال شهورا, وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على رواية فى البخارى أيضا وأغلب كتب الحديث تقول إن اليهود قتلوا النبى بالسم الذى وضعوه له فى الطعام, وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على الروايتين اللتين ذكرتهما سابقا فى مقالى أنه طلق امرأة من زوجها بعد أن أعجبته وتزوجها بلا شهود ولا عقد, وأنه رأى امرأة فاشتهى النساء فذهب وجامع امرأته لكى تهدأ نفسه وأوصى بذلك كحل إسلامى, وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على رواية فى جامع مسلم أن أبوى النبى الكريم فى النار خالدين لأنهما كفار مع أن الله قد قال فى كتابه:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً }الإسراء 15, ثم يقول الله عن أهل مكة:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ }السجدة3, أى أن أبوى النبى ما أتاهما من نذير فلماذا يدخلان النار, والله لا يعذب حتى يبعث رسولا, فهل نصدق الله سبحانه أم نصدق البخارى ومسلم؟ وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على رواية عند مسلم تقول إن الرسول كان سفاكاً للدماء بلا بيِّنة ولا شهود, فعندما أخبره أحد الصحابة أن رجلا يدخل على امرأته –مارية-فأمر علياً بن أبى طالب أن يذهب ليقطع عنقه هكذا دون استبيان ولا دليل ولولا أن الرجل كشف عن عورته وكان مجبوب الذكر- مقطوع عضوه الذكرى- لقُتِلَ الرجل بلا جريرة ولا ذنب ارتكبه, فهل هذا هو عدل رسول الله؟ وهل المطلوب أن نمر مرور الكرام على روايات وما أكثرها تخبرنا أن النبى وهو رجل قارب الستين عاما تزوج طفلة صغيرة ودخل بها وهى فى السادسة من عمرها؟ ولم يكلف أحدهم خاطره أن يدقق فى هذه الرواية التى اشتهرت بين العامة للأسف. فماذا تبقى من النبى وسيرته؟ إن كان كل ذلك وأكثر مما لا يتسع المكان لذكره فى أخلاقه وطباعه, ماذا تبقى من هذا العظيم الذى دنست كتب التراث المقدسة سيرته العطرة؟ ألم أقل لكم إنها التربية الفكرية والمجتمعية الخاطئة هى التى جعلتنا بهذا الجبن والهوان والدونية فى التعامل مع الكتب المتجمدة من ألف عام وأكثر, وجعلتنا بهذا الضعف والوهن والهزال الشديد فى نقد عمل بشرى مهما علا قدره أو قدر كاتبه, فالحقيقة التى لا تقبل التأويل إن كتب التراث الدينى تفسيرا أو حديثا أو سيرة أو قواعد وحتى كتب المذاهب الفقهية هى محاولة واجتهاد من رجال صوابهم يقع عند الله وخطؤهم يقع علينا, فكتبهم محاولة علمية لا تعدو إلا أن تكون بنت زمانها, ولو أنهم فكروا لنا وقرروا لنا وكتبوا لنا وأملوا علينا آراءهم فماذا تبقى لنا أن نفعله إذن؟ لذا فإن هذا التقديس المتوهم لكتب التراث هو بلا ريب النكبة الحقيقية التى حلت على المسلمين وأضاعتهم وأضاعت معهم ألف عام سدى. فماذا سنقول لله إن سُئِلنا عن عدم إعمال عقولنا فيما نُقِل إلينا من القدامى؟ فليس أمام أمة بهذا القدر من الجمود والتقزُّم والتجلد إلا أن تردد ما سيقوله الكافرون يوم القيامة: ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ ﴾ الزخرف22. |
(2) قاطعوا كتب السيرة والإسرائيليات قبل أن تقاطعوا هولندا اسلام بحيري http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=22485&SecID=170&IssueID=0
لو طرحنا على أنفسنا سؤالاً سهلاً: كيف نتعرف على الماضى وكيف نتعرف على شخوصه؟ ستكون الإجابة بالتأكيد من خلال كتب السير والتراجم ومصنفات التاريخ والتأريخ. إذن لأننا لم ولن نستطيع أن نرى الماضى فبداهة ليس أمامنا إلا قراءته، وماذا لو قرأ أحدنا عن المجازر التى دونها النازى فى تاريخ الرايخ الثالث؟ بالتأكيد ستصيبه حالة اشمزاز مختلطة بذهول من قدرة هذا الآدمى على ارتكاب كل هذا الكم من الجرائم فى هذا الوقت القصير. جيد جدا. فماذا لو أحب أحدهم هناك فى أزقة أوروبا هكذا بدون سبب، أو بسبب أن يتعرف على النبى محمد؟ بالتأكيد سيهبط على أقرب مكتبة، وما أكثرها، ثم سيشترى كتاباً من الكتب المترجمة للسيرة النبوية أو كتب متون (نصوص) الحديث أو التفاسير. ممتاز. وماذا لو قرأ فى كتب التفاسير تفسير الآية الكريمة: "وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِى أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَى لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِى أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً" (الأحزاب 37)، ثم هوى بنظره على ما اصطلح على تسميته "أسباب التنزيل" لهذه الآية فقرأ هذه القصة اللطيفة: "حدثنى يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: كان النبى - صلى الله عليه وسلم - قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش، ابنة عمته، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً يريده وعلى الباب ستر من شعر، فرفعت الريح الستر فانكشف، وهى فى حجرتها حاسرة، فوقع إعجابها فى قلب النبى - صلى الله عليه وسلم، فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر، فجاء فقال: يا رسول الله، إنى أريد أن أفارق صاحبتى، قال: ما ذاك، أرابك منها شىء؟ قال: لا والله ما رابنى منها شىء يا رسول الله، ولا رأيت إلا خيراً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمسك عليك زوجك واتق الله، فذلك قول الله تعالى (وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى فى نفسك ما الله مبديه) تخفى فى نفسك إن فارقها تزوجتها. تفسير الطبرى (20/274). الموضوع ببساطة أن الطبرى يقول إن سبب تنزيل الآية الكريمة على النبى أنه رأى زوجة ربيبه وقد أزاحت الريح سترها فأعجبته فطلقها زيد لكى يتزوجها الرسول، وقد أزاد البخارى فقال: "قوله تعالى: {وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك } الآية، نزلت فى زينب وذلك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما زوج زينب من زيد مكثت عنده حيناً، ثم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى زيدا ذات يوم لحاجة، فأبصر زينب قائمة فى درع وخمار وكانت بيضاء جميلة ذات خلق من أتم نساء قريش، فوقعت فى نفسه وأعجبه حسنها، فقال: سبحان الله مقلب القلوب وانصرف، فلما جاء زيد ذكرت ذلك له، ففطن زيد، فألقى فى نفس زيد كراهيتها فى الوقت" البخارى فى التفسير، باب (8/523): "وتخفى فى نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه"، والزيادة هنا فى رواية البخارى أن النبى قد أفصح - حاشاه - عن إعجابه بها ونسب الإعجاب لله - حاشاه - وقال سبحان مقلب القلوب. وهنا نعود للرجل الأوروبى، ولنتخيل أنه قرأ ذلك عن نبى المسلمين ومن كتب المسلمين, فقام هذا الرجل ورسم رسوماً كاريكاتيرية لما تخيله و للأسف عن حياة محمد - صلى الله عليه وسلم - فرسمه على أنه رجل ومعه نساء كثيرات يضمهن تحت جناحه، وينظر إلى المزيد من النساء ليضمهن، وهذا ما كان فى مضمون الرسوم المسيئة الشهيرة، فبالله على أى عاقل من أولى بالمقاطعة فى هذه الحالة الدانمرك وهولندا، أم كتب السيرة والأحاديث الباطلة المبطلة، التى تحمل بين دفتيها روايات لا يقولها الشيطان نفسه عن إمامنا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم؟ أنا لا أدافع عمن رسم النبى بهذا الشكل إطلاقاً ولا ينبغى لى ولا أستطيع، ولكنى أتساءل وأعرف الإجابة: من أين استقى هذا الرسام أو غيره صورته عن النبى- صلى الله عليه وسلم؟ من كتب التراث ولاريب، وبالطبع فإن تنقيح كتب التراث من المخازى المرصوصة فيها لا يقف عند تلك الرواية البسيطة، بل أدهى وأمر ولكن لا المقام ولا المقال يسمحان بذلك، وبالطبع هذا الرجل الأوروبى لن يقرأ بعدها توصيف القرآن لحياة هذا النبى النبيل الجميل فى قول التنزيل: " يَا أَيُّهَا النَّبِى إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا" (الأحزاب 45-46)، أو قوله: " إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (الأحزاب5, فمن هو النبى إذن، هل هو الذى رسم الله سمته بالسراج المنير فى القرآن، أم هو نبى الطبرى وكتب الحديث والسير؟! |
(3) الإسرائيليات.. أفسدت كتب الحديث والتفسير القرآنى اسلام بحيري http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=54678&SecID=170&IssueID=0 تشمل بدء الخلق وقصص الأمم السابقة وأحوال النبوات قد يصعب كثيرا إحصاء كم التشوهات الكارثية التى ألمت بتراثنا الدينى المدون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذه التشوهات القبيحة وعلى الرغم من تعدد طرائقها ومسالكها يتقدمها بلا شك التشوه الإسرائيلى التوراتى، فهو العلامة الأبرز بين جميع الأخطاء التاريخية التى ارتكبت بحق تراثنا, فالإسرائيليات هى الضاربة دائما فى الجذور والمستقرة القابعة فى الأعماق, أعماق أهم الكتب التراثية كافة, فاستقرت راكزة فى كتب التفسير القرآنى, وقبعت باطمئنان أيضا فى كتب الحديث كبيرها وصغيرها، صحيحها وسقيمها، فضلا عن كتب التاريخ والسيرة النبوية بالتأكيد, بيد أن المشكلة الكبرى فى الإسرائيليات لا تكمن فى كونها مجرد خرافات كاذبة انتفخت بها جنبات كتب التراث, بل المعضلة أنها وصلت لأن تصبح فى بعض الأحيان من أصول العقائد الإسلامية, ومن هنا أفسدت الفواحش الإسرائيلية ماء الإسلام الرائق بقاذورات خرافية وأسطورية تمتلئ بالكذب على الله وآياته ورسله؛ لذا كان لزاما علينا ابتداء تقديم حصر موجز للطريق نحو «أسرلة» -نسبة إلى الإسرائيليات- تراثنا الدينى عبر أربعة عشر قرنا:
أولا: ثانيا: يستتبع البحث الجاد عن ذيل الأفعى الإسرائيلية فى التراث بالضرورة البحث عن رأسها القبيح, فمما لا شك فيه أن النبى صلوات ربى عليه لما توفى ترك رسالته كاملة بيضاء لا شوب فيها ولا كدر, ولكن العرب كما وصفهم «ابن خلدون» قوم أميون يغلب عليهم البداوة ويفتتنون بكل جديد وغريب، فعادوا أدراجهم بعد وفاة النبى يسألون اليهود الذين أسلموا أو تأسلموا -على سواء- أن يَمنوا عليهم من أعاجيب قصصهم التى تشرح ما أجمله وأوجزه القرآن, رغم أن عبقرية القرآن، فضلا عن نصه المعجز، كانت فى استخدامه للإيجاز والشمول والابتعاد عن استغراق التفاصيل, حيث كان مقصد القرآن العظيم هو استلهام العبرة والحكمة وتثبيت فؤاد النبى بما مضى للسالفين عليه وإراءته-التبيين له- سنن الله فى كونه, لذا فإن رأس الأفعى الإسرائيلية أطلت فى تراثنا عن طريق مروجى الإسرائيليات الأُوَل من خلال المحاكاة والتقريب بين لآلئ القصص فى الآيات المنزلة فى القرآن, وبين فواحش الكذب والبهتان فى الروايات الإسرائيلية. ثالثا: كان قائد الرعيل الأول لـ»أسرلة» تراثنا الإسلامى هو»كعب الأحبار» اليهودى اليمنى الذى أسلم فى زمان عمر بن الخطاب على القول الراجح. والسؤال المطروح كيف استساغ واستباح التابعون ومن بعدهم من أهل التفسير والحديث النقل عن «كعب الأحبار» فمن هو هذا «الكعب»؟ أسلم كعب كما ذكرنا فى عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضوان الله عليه-, وقد كان فى مبتدأ أمره يحدث عند الخليفة عمر, ولكن عمر بفطنته وحدسه واستشرافه للقادم أوقف كعبا وأحس بخطر ما يبثه من أكاذيب فقال له زاجرا: «لتتركن الحديث أو لألحقنك بأرض القردة» «سير أعلام النبلاء (433/2), وقد كذَّب عدد لا يحصى من أكابر الصحابة كعباً وكان أمر كذبه فاشيا, إلا أن بعض التابعين ومن ورائهم أهل الحديث والتفسير افتتنوا به لما وجدوا أن أعلاما شهيرة من الصحابة تحدث عن «كعب» مثل «العبادلة الثلاثة» عبدالله بن عباس وعبدالله بن عمرو بن العاص وعبدالله بن عمر, وكذا «أبوهريرة», فاعتقد التابعون وأهل الحديث أن ذلك إشارة متيقنة لصدق هذا «الكعب», فنافحوا ودافعوا عنه فى كتبهم بل جعلوه من الثقات العدول فى الرواية رغم تواتر الروايات الدالة على فحش كذبه كما سنبين, ولكن المفاد الأهم أنه لا يستتبع بالضرورة رواية الصحابة عن «كعب» أن يكون «كعب الأحبار» من الصادقين, وسنخصص فى القريب مقالة لتفنيد وشرح ما جاء فى رواية الصحابة عن «الكعب» وملابساتها. أما عن كذب كعب الأحبار فيكفينا لبيانه ما أخرجه البخارى من قول معاوية:» وذكر كعب الأحبار فقال: إن كان من أصدق هؤلاء المحدِّثين الذين يحدِّثون عن أهل الكتاب، وإن كنا مع ذلك لنبلو عليه الكذب» 7361-(400/13), وكلام «معاوية» صريح, ولكن الغريب أن أهل الحديث تكلفوا والتفوا على القول الصراح لمعاوية فى كذب «كعب الأحبار», ووصل بهم التعنت إلى القول أن المقصود بالكذب, كذب الكتب التى يحدث منها كعب لا كذبه هو نفسه. وكذلك الواقعة المشتهرة التى تبين تزييف وكذب «كعب الأحبار» فكانت قصته التى أوردها «ابن الأثير» وغيره فى التاريخ, أن كعبا أخبر الخليفة عمر أنه سيفارق الدنيا فى ثلاثة أيام, وأن ذلك فى التوراة, ووقع قتل الخليفة عمر بعدها فشاعت القصة بين الصحابة واستبانوا كذبه, فهاهى التوراة ليس فيها عمر ولا صفته ولا آجال وأعمار الخلق التى لا يعلمها إلا الله, وقد تناثرت روايات أشارت إلى أن كعبا كان شريكا فى عملية القتل التى نفذها المجوسى, ورغم ذلك فلا يعنينا تصديق تلك الروايات قدر ما يعنينا إثبات كذب واختلاق هذا «الكعب» على خلاف ما سطره أهل الحديث من المدافعين عنه, ويجدر الإشارة هنا إلى ما قاله الشيخ المبجل عليه الرحمة من الله الشيخ محمد رشيد رضا مكذبا وفاضحا لهذا «الكعب» غير عابئ بكل تكلفات الأولين فى الدفاع عنه, لما استبان للشيخ الأثر المدمر لكعب وشركاه فى العقيدة الإسلامية, فقال: «إن شر رواة هذه الإسرائيليات أو أشدهم تلبيساً وخداعاً للمسلمين وهب بن منبه وكعب الأحبار، فلا تجد خرافة دخلت فى كتب التفسير والتاريخ الإسلامى فى أمور الخلق والتكوين والأنبياء وأقوالهم والفتن والساعة والآخرة إلا منهما مضرب المثل»- مجلة المنار (27 / 783). رابعا: يقول سبحانه فى محكم التنزيل واصفا اليهود: «أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» البقرة 75, ويقول عنهم أيضا: «فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَـذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ» البقرة 79. ورغم صراحة الآيات الدالة على خرافات اليهود وسوء أدبهم مع الله, نجد المجيزين لرواية الفواحش الإسرائيلية والمفتونين بها يقولون إن النبى أجاز ذلك ويستندون إلى حديث أخرجه البخارى أن النبى قال: «بلغوا عنى ولو آية، وحدثوا عن بنى إسرائيل ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار».3461-(615/6). وهذا الحديث ليس دليلا البتة على جواز التحدث عنهم فى الدين, فمتن -نص- الحديث مشكل فى شرحه, وسنفرد له مقالة مفصلة ولكن ما يفاد منه لا يحتمل بأى حال المعنى الذى أراده المولعون بالإسرائيليات من جواز التحديث عنهم، إذ كيف يرضى النبى عن التحديث بالكذب والخرافة والضلالة, فلابد من فهم النص بدقة قبل إطلاق الأحكام جزافا. خامسا:
قسم بعض المحققين مثل «ابن كثير» تقسميا عجيبا كضابط لقبول
الإسرائيليات وهو كالتالى: ما هو مسكوت عنه فى القرآن من قصص جاز أخذها من الإسرائيليات فهذا يدخل ضمن ما لا يكذب ولا يصدق ولكن تجوز حكايته وتدوينه للاعتبار والحكمة. إذا خالفت الإسرائيليات وناقضت النص القرآنى والسنة الصحيحة مخالفة صريحة فهذا لا يصح قبوله ولا روايته. وهذا التقسيم -مع تقديرنا لمحاولة «ابن كثير» وضع ظوابط لما شاع وانساح فى كتب التراث الإسلامى- تقسيم خاطئ وباطل من وجوهه الثلاثة: ففى الحالة الأولى، فإنه إذا توافقت الإسرائيليات مع القرآن فى القصة المروية ولكنها امتازت بالتفاصيل التى أجمل فيها القرآن وأوجز, فما حاجتنا إليها وقد أغنانا الله بالقرآن عنها, كما أن هذه التفاصيل الإسرائيلية تنضح بالكذب والخرافة فلماذا ندخل القذارات فى الماء الرائق, ثم إن الله سبحانه كان، بلا شك، قاصدا عامدا فى إيجازه القصص فى القرآن لينفض عن هذه الأمة غبار الأساطير السابقة، والقصد فى الإيجاز إذن كان بإرادة الله, فلماذا إذن نخالف مقصود الله وإرادته فى هذه الأمة؟ أم أن الله أنزل القرآن موجزا لنستكمل علومنا من بنى إسرائيل ونتتلمذ على أيديهم؟ أما الحالة الثانية فهى الأسوأ ففيها إجازة لرواية ما سكت عنه القرآن, وكأن سكوت الله سبحانه عن شىء بلا مقصد -معاذ الله-, فالمعلوم عقلا وشرعا أن المسكوت عنه فى القرآن مسكوت عنه لحكمة جلية أو خفية يعلمها سبحانه, ولكنها لا شك بإرادة إلهية, فلماذا نصر على مخالفة مراد الله فى إمساكه عن ترهات وخرافات بنى إسرائيل؟ كما أنه لم يكن ليعجز الله شيئا لو أراد ذكر هذه التفاصيل, ولكن فساد العقول قلب القاعدة فأصبح الإيجاز فى القصص هو الاستثناء, والإسهاب المتفحش فى الكذب هو القاعدة, فسبحان الله مما فعله المفتونون من كل غريب وقبيح. ج) أما الحالة الثالثة فحمدا لله أنها مرفوضة ما دامت مخالفة للقرآن والسنة الصحيحة وهذا أضعف الإيمان. ولأن الإسرائيليات، ورغما عن أنوف العقلاء، دخلت مطمئنة لأكبر كتب الحديث والتفسير وكان لها عميق الأثر فى تكوين عقائد وقناعات فاسدة نذكر منها طرفا للتبيين والتوضيح: 1) الإسرائيليات فى توصيف الذات الإلهية: لا شك أن تجسيد الله شبها وجسما هو أصل يهودى إسرائيلى, ومن أشباه ذلك ما تسلل وتسرب إلى كتب الحديث والتفسير رغم أن أصل العقيدة الإسلامية يقوم على أن الله ليس كمثله شىء، وأنه منزه عن التشبيه والتجسيم, ولكن هيهات فأين كعب وشركاه؟ فقد أخرج ثلة من أهل الحديث فى كتبهم ومسانيدهم وسننهم حديثا مكذوبا منكرا عن النبى يقول فيه بزعمهم: «رأيت ربى فى صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط فى روضة خضراء», والمعنى أن النبى رأى الله على صورة شاب جميل ولا شك ولا ريبة تخالج العاقل أن استقرار حديث كاذب كهذا إنما هو من هذه السطوة الإسرائيلية التى سرت فى التراث، ورغم أن كثيرا من أهل الحديث قد ضعفوه فإن آخرين للأسف قد دافعوا عن صحته وبعضهم أوَّلَه على رؤيا المنام, ولكن الذى يعنينا ليس من صحح ومن ضعف لأن نص الحديث فاحش النكران, ولكن السؤال كيف استقر هذا الحديث فى كتب التراث؟ والجواب «ابحث عن الإسرائيليات». 2) الإسرائيليات الخرافية التى تشكلت فى الوعى المسلم بأشكال عدة: قصة بدء الخليقة فى القرآن عميقة الفلسفة واسعة البيان ورائقة المعنى, ولكن أصحاب التفاسير وأهل الحديث أبوا إلا أن ينقلوا إلينا الخرافات الإسرائيلية على أنها المذكرة التفسيرية للوقائع التى أوجزها القرآن, فقد أورد الطبرى فى تفسيره لآية: «فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِى الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ »36 البقرة. ما يلى مختصرا: «فلما أراد إبليس أن يستزلهما دخل فى جوف الحية، فلما دخلت الحية الجنة، خرج من جوفها إبليس، فأخذ من الشجرة التى نهى الله عنها آدم وزوجته، فجاء بها إلى حواء، فقال: انظرى إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، وأحسن لونها! فأخذت حواء فأكلت منها، ثم ذهبت بها إلى آدم، فقالت: انظر إلى هذه الشجرة، ما أطيب طعمها، وأحسن لونها! فأكل منها آدم، فبدت لهما سوءاتهما،.. قال الرب: ملعونة الأرض التى خلقت منها لعنة يتحول ثمرها شوكا. ثم قال: يا حواء أنت التى غررت عبدى، فإنك لا تحملين حملا إلا حملته كرها، فإذا أردت أن تضعى ما فى بطنك أشرفت على الموت مرارا». ثم يردف الطبرى بعدها قائلا:» فقال الله: فإن لها على-أى لحواء- أن أدميها فى كل شهر مرة كما أدميت هذه الشجرة، وأن أجعلها سفيهة، فقد كنت خلقتها حليمة». فهذه القذارات الفاحشة والكذب على ذات الله وعلى العقيدة الإسلامية فى جذورها أوردها الطبرى كتفسير للآية بكل بساطة, وأى كذب على الله أفدح من جعله سبحانه يغير أقواله وأحكامه لتكون رد فعل على عصيان آدم وعصيان زوجته وعصيان الأفعى, وياللمرأة المظلومة دائما فالحيض عقاب لها والحمل عقاب لها, والله جعلها سفيهة بعد أن خلقها حليمة, وهذه هى روح الإسرائيليات فى تحقير المرأة عندهم, لذا فلا يظن أحد أن هذه الخرافات ظلت حبيسة الكتب بل تشكلت بعد ذلك فى الوعى المسلم وأنضجت روايات مكذوبة على النبى عن تحقير المرأة وفتنتها وشرها وسفهها الدائم, كما أشرنا فى مقالنا «تاريخ تحقير النساء», ومن وراء هذا نسجت الثقافة الإسرائيلية خيوطها الأفعوانية فى الوعى المسلم وظهرت بقية الخراقات والأسماء: «شجرة التفاح - شجرة التوت - الأفعى - حيض النساء وآلام الولادة - أسماء ابنى آدم هابيل وقايبل رغم أننا لا نعلم من هؤلاء- قصة خلق زوج آدم من ضلعه...إلخ, وقس ذلك على كل قصص القرآن الموجزة التى فسرها كذابو بنى إسرائيل. 3) الإسرائيليات التى تحط من شأن الأنبياء بخلاف ما أُمرنا به: معلوم بالضرورة أن القرآن قد أقر بتنزيه الأنبياء وعصمتهم وتوقيرهم على عكس الخرافات الإسرائيلية التى تفحش فى أعراضهم وأخلاقهم, ولقد كان من المفترض أن تحاكى التفاسير القرآنية روح القرآن وقواعده فى الأدب مع الأنبياء ولكن التفاسير وللأسف امتلأت بخلاف ذلك وإذا تساءلنا عن السبب فعند «كعب» الخبر اليقين. فمثلا أورد الطبرى وغيره الكثير من المفسرين حول تفسير آية: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ» 24 يوسف. ما نصه مختصرا: «عن ابن عباس، سئل عن هم يوسف ما بلغ؟ قال: حل الهميان، وجلس منها مجلس الخائن وفى رواية-الخاتن-, ما بلغ من هم يوسف؟ قال: استلقت له، وجلس بين رجليها, حل سراويله حتى الإليتين-المؤخرة-». وهنا السؤال كيف اجترأ الطبرى وغيره على تدوين نقل فاحش الكذب كهذا على النبى المكرم يوسف بن يعقوب الذى قال فيه المصطفى صلوات الله عليه: «هو الكريم بن الكريم بن الكريم», ولكن لما فشت الروح الإسرائيلية فى التراث بنصوصها وعقائدها استحل الطبرى أن يكتب هذا عن النبى «ابن الأكرمين» فالإسرائيليات استوطنت العقول قبل الكتب, ولو رجع أحدهم لما قاله الطبرى عن كيفية ذهاب الشهوة عن نبى الله «يوسف» لرأى النقولات الفاحشة مما نمسك عن ذكرها هنا لسوء أدبها, ومن مثل ذلك امتلأت كتب الحديث والتفسير بالكثير عن الأنبياء إما تعظيما لهم لأغراض فى نفس راويها وإما تحقيرا لهم لنفس هذه الأغراض. 4) الإسرائيليات التى تثبت الإسرائيليات: أما هذا النوع فهو الأشد فجورا بين الإسرائيليات والذى يَهدف مَن دَسَّه إلى التأسيس والتثبيت لعلم كبيرهم الذى علمهم السحر «كعب الأحبار» فلننظر لما أورده الطبرى فى معرض تفسيره لآية: «حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِى عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا» 86 الكهف. ما نصه مختصرا: «قال: سمعت عبد الله بن عباس يقول: قرأ معاوية هذه الآية، فقال: «عين حامية» فقال ابن عباس: إنها عين حمئة، قال: فجعلا كعبا بينهما، قال: فأرسلا إلى كعب الأحبار، فسألاه، فقال كعب: أما الشمس فإنها تغيب فى ثأط، فكانت على ما قال ابن عباس». ثم يورد بعدها بسطور رواية أخرى: «قال: وأخبرنى عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عباس، قال: قرأت {فى عين حمئة} وقرأ عمرو بن العاص {فى عين حامية} فأرسلنا إلى كعب، فقال: إنها تغرب فى حمأة طينة سوداء». وهذه الرواية الفاحشة مفادها أن أعلام الصحابة وبعد أن تتلمذوا على يد سيد الأنبياء ونهلوا من علومه فإذا بهم يتحولون للتعلم على يد أستاذ جديد بعد النبى وهو الأستاذ »كعب«, ولمَ لا وقد شاع أن عند »كعب« علوما مثمرة لا تنتهى, فهذا الطبرى وغيره يخبروننا -ولله الحمد- أن تثبيت قراءة لفظة من القرآن إنما كان بفضل الكذاب «كعب الأحبار» وأنه أقر ابن عباس فى معناه, ألهذا الحد وصل التساهل فى قبول الكذب؟ فهل الصحابة أغمار سفهاء ليحتكموا فى آية من القرآن إلى هذا البائس اليهودى الذى يقطر الصحابة فى عرقهم علما يزنه هو وقومه, وما حجية سؤالهم عن غروب الشمس فى كتاب كعب فماذا لو قال إنها تغرب فى الماء فهل بذلك كانت ستثبت قراءة «عين حامية», فسبحان الله من جرأة القوم من المفسرين على قول ونقل مكذوب على الصحابى «ابن عباس» بل إن من سذاجة واضطراب النص أنه تارة يجعل الواقعة بين ابن عباس ومعاوية, وتارة يجعلها بين ابن عباس وعمرو بن العاص والمضحك أنه فى المرتين يحتكمون للعلامة الكبير الأستاذ »كعب» رضى الله عنه. وأخيرا: هذه الآثار الكارثية للروح الإسرائيلية التى اصطبغ بها التراث الدينى لم تقبع فقط فى جنبات الكتب، بل كما بينا انسحبت وتعدت لتصبح روحا عامة قد يعجز كثير من الباحثين عن افتكاكها من التراث الدينى أصولا وفروعا, كما أنها أحدثت على مر العصور ضمورا فى العقل المسلم, واستعداداً لتلقى وتصديق الخرافة بكل أريحية ومالهذا جاء الإسلام؛ لذا فإن تفنيد الروايات الإسرائيلية التى خربت النقول والعقول واختلقت عقائد فاسدة هو السبيل إلى مرحلة الخلاص من هذا التراث الثقيل، وخطوة أولى لاستعادة الوعى الحر عند المسلمين وإحياء دور العقل بعيدا عن الغشاوات التى حالت دهورا بينهم وبين النص المنزل. |
(4) لكي لا يخدعنا بعضهم: هل كان تاريخنا ماضيا سعيدا؟ سيد القمني http://almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=14395:2010-05-20-06-18-53&catid=40:2009-05-21-01-47-18&Itemid=58
معاوية بن أي سفيان وولده يزيد لم يمنعهما اسلامهما من قتال آل بيت الرسول وجز رأس الحسين الحجاج بن يوسف الثقفي اعدم من العراقيين مئة وعشرين ألفا واستباح نساء المسلمين العباسيون قتلوا خمسين ألفا من أهل دمشق وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاً لخيولهم هل كان ممكنا أن ترتج أجهزة الدولة كلها مستجيبة لاستغاثة مواطن يعاني القهر والظلم في بلاد المسلمين على يد المسلمين، في الإمبراطورية الإسلامية العظمى الغابرة، كما ارتجت وتحركت بعدّتها وجيوشها في القصة الأسطورية إستجابةً لصرخة امرأة مجهولة منكورة لا نعرف من هي، وهي تنادي الخليفة من على الحدود عندما اعتدى عليها بعض الروم... "وامعتصماه"؟!. إن هذا النموذج من القص يريد أن يعلن مدى اهتمام الدولة جميعا بمواطنٍ فردٍ يعاني أزمة، وهو ما يستثير الخيال العربي المقموع ويدفعه إلى محاولة استعادة هذه الدولة الأبية التي كانت تردع الأعادي بكل فخر ومجد كما كانت تنشغل بالمواطن الفرد كل الانشغال، حتى بات عزيزا كريما مرهوب الجانب أينما كان. لكن بين القص الأسطوري وبين ما كان يحدث في الواقع مفارقات لا تلتئم أبدا، ولا تلتقي أبدا. والنماذج على ذلك أكثر من أن تحصيها مقالة كتلك، بل تحتاج إلى مجلدات من الكتب. لكن يكفينا هنا اليسير منها لنكتشف هل كانت ثقافة "وامعتصماه" أمرا حقيقيا فاعلا في الواقع أم أنها مجرد قصة لرفع الشعارات دون الفعل وليس أكثر، كالعادة العربية المعلومة! خاصة أن هذه الدولة العزيزة بمواطنها الكريم هي الدولة النموذج التي يطلبها اليوم المتأسلمون على كافة فصائلهم وأطيافهم، ويزينونها للناظرين بقصٍّ كهذا عادة ما يبدأ بمسئولية الخليفة الراشد وهو في يثرب عن دابة لو عثرت بالعراق. وينتهي بالحفل البانورامي حول احتلال "عمّورية" انتقاما للفرد العربي الأبي حتى لو كان امرأة! مع علمنا بحال المرأة قياسا على الرجل في تراثنا. لقد صرخت القبائل العربية في الجزيرة منذ فجر الخلافة "واسلاماه" تستغيث بالمسلمين لردع جيوش الدولة عن ذبحها وسبي حريمها وأطفالها لبيعهم في أسواق النخاسة، تلك القبائل التي تمسكت بحقها الذي أعطاه لها ربها بالقرآن في الشورى والمشاركة الفاعلة في العمل السياسي. فرفضت خلافة أبي بكر" الفلتة" بتعبير عمر بن الخطاب لأنها تمت بدون مشورتهم ولا ترشيح احد منهم ولا اخذ رأيهم، فامتنعوا عن أداء ضريبة المال للعاصمة تعبيرا عن موقفهم ، لكنهم عملوا برأي الإسلام فجمعوا الزكاة ووزعوها على فقرائهم في مضاربهم التزاما بهذا الركن الإسلامي بجوار صلاتهم وصيامهم وقيامهم بقية الأركان المطلوبة. فلم يعفها ذلك من جز الرقاب والحصد بالسيف. والصراع هنا لم يكن حول الإيمان والكفر، بل كان الشأن شان سياسة دنيوية لا علاقة لها بالدين. ورغم الجميع فقد تواطأ السدنة مع السلطان ضد تلك القبائل ليؤسسوا في التاريخ المذهب السنّي الذي وجد فرصته في مكان سيادي بجوار الحاكم، فقام بتحويل الخلاف السياسي إلى خلاف ديني، واعتبر أن محاربة هؤلاء واجب ديني لأنهم قد كفروا وارتدوا عن الإسلام لا لشيء، إلا لأن هكذا كان قرار الخليفة؛ ولأن هذا الخليفة كان "الصدّيق" صاحب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصهره ووزيره الأول. فالبسوا الخليفة أولا ثوب القدسية ولو ضد منطق الإسلام الذي لا يقدس بشرا، ثم البسوا القرار قدسية الخليفة، ثم أصدروا قرارهم بتكفير هذه القبائل بتهمة الردة عن الإسلام لأنها حسب القرار البكري قد "فرّقت بين الصلاة وبين الزكاة"، وهو أمر فيه نظر من وجهة نظر الشرع لا تبيح قتالهم ولا قتلهم. لذلك تم تدعيم القرار بان تلك القبائل قد خرجت على رأي الجماعة وخالفته وهو اختراع آخر كان كفيلا بوصمها بالارتداد منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم. وهكذا، ومنذ فجر الخلافة جلس الفقيه في معية السلطان يصوغان لنا إسلامنا، إسلام يؤسلم ويكفّر حسب مدى التزام المواطن بالمذهب السيد الذي هو مذهب السدنة والسلطان وأولي الأمر، وطاعتهم أمر رباني وفرض سماوي. ومنذ خرجت جيوش أبي بكر تحارب تاركي الزكاة تحت اسم الدين والصواب الديني، أصبح معنى أن تخرج جيوش المسلمين لتحارب الكفار "غير حروب الفتوحات". إنها خارجة للقضاء على المعترضين أو المخالفين في الرأي السياسي الذي تتم إحالته إلى الدين، حتى يتم الذبح والحرق والسبي بإسم الدين وليس لخلاف سياسي. ونظرة عجلى على تاريخ العرب المسلمين ستكتشف أن مقابل "وامعتصماه" الأسطورية، ألف "واسلاماه" كان جوابها مختلفا. وبلغ الأمر غاية وضوحه في زمن عثمان بن عفان الذي فتق بطن عمّار بن ياسر ضربا وركلا، وكسر أضلاع ابن مسعود حب رسول الله، ونفى أبا ذر إلى الربذة، فقتل المسلمون خليفتهم، وتم قتله بيد صحابة وأبناء صحابة. ومن بعدها خرجت الفرق الإسلامية تحارب بعضها بعضا وتكفّر بعضها بعضا، حتى مات حول جمل عائشة خمسة عشر ألف مسلم، ومن بعدهم مائة ألف وعشرة من المسلمين في صفّين، لا تعلم من فيهم من يمكن أن نصفه بالشهيد ومن فيهم من يمكن أن نصفه بالظالم المفتري! أما عن زمن معاوية وولده يزيد فحدث ولا حرج عما جرى لآل بيت الرسول، وكيف تم جز رأس الحسين لترسل إلى العاصمة، وكيف تم غرس رأس زيد بن علي في رمح ثم غرسه بدوره فوق قبر جده رسول الله!. وإن ينسى المسلمون السنّة، فان بقية الفرق لا تنسى هذه الأحداث الجسام التي فرقت المسلمين فرقا وشيعا، كلها تمسحت بالدين وكان الشأن شأن سياسة ودنيا وسلطان. وإن ينسى المسلمون أو يتناسوا فان التاريخ يقرع أسماعنا بجملة مسلم بن عقبة المري لتأديب مدينة رسول الله "يثرب" ومن فيها من الصحابة والتابعين بأمر الخليفة القرشي يزيد بن معاوية. فقتل من قتل في وقعة الحرة التي هي من كبرى مخازينا التاريخية، إذ استباح الجيش نساء المدينة أياما ثلاثة حبلت فيها ألف عذراء من سفاح واغتصاب علني وهن المسلمات الصحابيات وبنات الصحابة والصحابيات. أما زياد بن أبيه، والي الأمويين على إقليم العراق، فقد شرّع القتل بالظن والشبهة حتى لو مات الأبرياء إخافة للمذنب، وشرّع قتل النساء. أما نائبه الصحابي "سمرة بن جندب" فان يديه قد تلوثتا فقط بدماء ثمانية آلاف من أهل العراق على الظن والشبهة، بل اتخذ تطبيق الحدود الإسلامية شكلا ساخرا يعبر عن تحكم القوة لا حكم الدين، كما في حال "المسود بن مخرمة" الذي ندد بشرب الخليفة للخمر، فأمر الخليفة بإقامة الحد إحقاقاً للشرع لكن على المسود بن مخرمة. ثم لا تندهش لأفاعيل السلطة وشهوتها في التقوى والأتقياء. فهذا الملقب بـ"حمامة المسجد" عبد الملك بن مروان لكثرة مكوثه في المسجد وطول قراءاته للقران وتهجده ليل نهار، يأتيه خبر انه قد أصبح الخليفة فيغلق القران ويقول له: "هذا آخر العهد بك"، ثم يقف في الناس خطيبا فيقول:"والله لا يأمرني أحد بتقوى الله بعد مقامي هذا وإلا ضربت عنقه". ولابد أن يجد الحجاج بن يوسف الثقفي هنا ولو إشارة؛ لأنه كان المشير على الخليفة؛ ولأنه من قام على إصدار النسخة الأخيرة من القرآن بعد أن عكف مع علماء الأمة على تصويب الإصدار العثماني وتشكيله وتنقيطه بإشراف شخصي دائم منه، ولم يثبت عليه حب الخمر أو اللهو. لكنه كان أيضا هو الرجل الذي ولغ في دماء المسلمين، وكانت مخالفته في أهون الشئون تعني قص الرقبة، فهو الذي قال:" والله لا آمر أحدا أن يخرج من باب من أبواب المسجد فيخرج من الذي يليه إلا ضربت عنقه". وهو أحد خمسة ذكرهم عمر بن عبد العزيز قبل خلافته في قوله: "الحجاج بالعراق والوليد بالشام وقرة بمصر وعثمان بالمدينة وخالد بمكة، اللهم قد امتلأت الدنيا ظلما وجورا". وقد سار الحجاج على سنّة سلفه زياد في إعدام النساء والقبض على أهل المطلوب حتى يسلم نفسه، ومنع التجمهر، وإنزال الجنود في بيوت الناس ووسط العائلات يلغون في الشرف كيفما شاءوا إذلالاً للناس وكسرا لإنسانيتهم، حتى انه أعدم من العراقيين في عشرين سنة هي مدة ولايته مائة وعشرين ألفا من الناس بقطع الرأس بالسيف أو الذبح من القفا أو الرقبة، دون أن نعرف من هم هؤلاء الناس ولماذا ذبحوا اللهم إلا على الاحتجاج على ضياع كرامة الإنسان، أو لمجرد الشبهة والظن. وقد وجد هؤلاء السادة في الذبح والحرق لذة وسعادة، بل فكاهة دموية.. ففي فتوح جرجان سال أهل مدينة طمسية قائد المسلمين سعيد بن العاص بن عم الخليفة القائم عثمان بن عفان الأمان، مقابل استسلامهم على ألا يقتل منهم رجلا واحدا، ووافق القائد سعيد ففتحوا له حصونهم فقرر الرجل أن يمزح ويلهو ويضحك، فقتلهم جميعا إلا رجل واحد! وعندما وصل العباسيون إلى السلطة بدأوا حملة تطهير واسعة شملت من مواطني دمشق خمسين ألفا تم ذبحهم، وجعلوا من المسجد الأموي إسطبلاً لخيولهم. ولما استقام لهم الأمر استمروا على النهج الأموي في ظلم العباد وقهر آدمية الإنسان، وهو ما كان يدفع إلى ثورات، تنتهي بشي الثوار على نيران هادئة، أو بمواجهتهم للضواري في احتفالات رومانية الطابع. وهكذا كان الإنسان سواء مواطنا عاديا كان، أم كان في جيوش السلطان، في مقتطفات سريعة موجزة مكثفة من تاريخنا السعيد وزماننا الذهبي الذي يريد الدكتور محمد عمارة استعادته، لماذا؟ يقول لنا تحت عنوان "مميزات الدولة الإسلامية"، إن الشريعة الإسلامية فيها "تفوقت على غيرها من كل الشرائع والحضارات والقوانين الدولية، في أنها جعلت القتال والحرب استثناء مكروها لا يلجا إليه المسلمون إلا للضرورة القصوى". لذلك يرى الدكتور عمارة: "أن الدولة الإسلامية لم تخرج عن هذا المنهاج السلمي، حتى تضمن الدولة للمؤمنين حرية العيش الآمن في الأوطان التي يعيشون فيها"- مقالاته الحروب الدينية والأديان السماوية 7،8". لكن ماذا عند سيادة الدكتور ليقوله بشان تلك الجسام الجلل في تاريخ ما يسميه الدولة الإسلامية؟!. هذه دولتهم الإسلامية التي يريدون استعادتها لإقامة الخلافة مرة أخرى لتحرير فلسطين والعراق وإعادة الإمبراطورية القوية مرة أخرى. لقد كان زمنا ذهبيا بكل المعاني الذهبية بالنسبة للسادة الفاتحين الغزاة الحاكمين وحواشيهم من سدنة الدين وتجار البشرية، لكنه كان زمانا تعسا بائسا دمويا بالنسبة للمحكومين المغزوين المفتوحين. وإذا قيل هنا أن ذلك كان منطق ذلك العصر، فلا خلاف أبدا حول قول القائل. وإذا قيل انه لا يصح محاكمة ذلك الزمان بذوق زماننا الأخلاقي، أيضا ليس ثمة خلاف. لكن الخلاف ينشأ فور القول باستعادة هذا الشكل من الحكم والأنظمة بحسبانها الأمل والمرتجى. هنا لابد أن نحاكمها بذوق أيامنا، لنرى إن كانت هي الحلم المنشود والأمل المفقود، أم ستكون هي الختام لخير أمة أخرجت للأنام!
نقلا عن مجلة "روزاليوسف" |
(5) العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=263674 قبل اكتشاف النفط في مملكة الوهابية، كانت إنكلترا قد تعاقدت مع الملك سعود على دفع راتب له بمبلغ 5000 جنيه سترليني شهرياً، مقابل أن يكون ممثل مصالحها في منطقة الشرق الأوسط. وكان العميل الإنكليزي فيلبي هو الذي يقوم بدفع المبلغ للملك (The Devil’s Game, Robert Dreyfuss, p 42). وبالطبع كانت المملكة حديثة التكوين عبارة عن صحراء يقطن أغلب سكانها في الخيام السوداء حول الواحات ولم تكن حكومة الملك سعود تقدم لهم أي خدمات لأن مبلغ الخمسة آلاف جنيه كانت لاحتياجات الملك وأسرته. وحتى بعد اكتشاف النفط في ثلاثينات القرن المنصرم، كان أغلب مدخول النفط يذهب للشركات الأمريكية ممثلة في شركة أرامكو بالظهران، والتي كانت تدفع للملك جزءاً بسيطاً من الدخل كل عام. وفي هذا الأثناء كان شعب المملكة يعتمد بشكل كبير على البواخر التي كانت تأتي من مصر والسودان محملة بالبضائع والخراف. وحتى كسوة الكعبة كانت تاتيهم سنوياً من سلطنة دارفور في غرب السودان، ثم تولت مصر الكسوة بعد ذلك. وتدريجياً ازداد مدخول المملكة من واردات النفط مع ازدياد اعداد الآبار النفطية الجديدة. ولسوء حظ العالم العربي ظهر في الخمسينات نجم الرئيس المصري جمال عبد الناصر الذي دعا إلى القومية العربية وإنهاء عهد الملوك في الشرق الأوسط، مما أثار سُخط آل سعود انصب هم آل سعود في تلك الفترة على إنهاء حكم عبد الناصر عن طريق تمويل الجماعات الإسلامية في مصر وفي بقية البلاد العربية، فاحتضنوا أفراد الإخوان المسلمين الذين كانوا قد هربوا من مصر بعد محاولة إغتيال جمال عبد الناصر عام 1954. أغدق آل سعود المال والوظائف الجامعية على جماعة الإخوان المسلمين بينما كانت أجزاء كبيرة من الشعب السعودي ما زالت تعيش في الخيام ولا تعرف الصرف الصحي، ولا الطرق المعبدة ولا المياه النقية. بعد موت عبد الناصر في عام 1970 واعتلاء أنور السادات، الرئيس المؤمن، سدة الحكم وانفتاح مصر على السوق الحرة لاغتيال اشتراكية عبد الناصر، رجع الإخوان المسلمون من السعودية محملين بالبترودولارات لنشر الفكر الديني في ربوع مصر وغيرها، كخير وسيلة للحفاظ على نظام آل سعود، ولتعبيد الطريق لتمكين الإخوان من حكم مصر حتى تكون مصر سنداً لآل سعود
وكتطبيق عملي لهذه النظرية تفتق ذهن الأمير محمد الفيصل، ابن الملك
فيصل، عن فكرة إنشاء البنوك الإسلامية، واستعان بشخصيات دينية إخوانية
في مصر منهم مفتي الجمهورية، والسيد عبد العزيز حجازي رئيس الوزراء
الأسبق، وعثمان أحمد عثمان، والشيخ يوسف القرضاوي، ويوسف ندا، والشيخ
عمر عبد الرحمن مؤسس الجماعة الإسلامية، والمسجون حالياً في أمريكا بعد
إدانته في تفجيرات مركز التجارة العالمي في نيويورك، فأنشأ بنك فيصل
الإسلامي في مصر في عام 1976 بعد موافقة السادات على شروط معينة منها:
ضمان عدم تأميم البنك مستقبلاً، وعدم خضوع البنك الإسلامي لقوانين
البنوك في مصر، وعلى أن يعمل البنك في سرية كاملة دون الخضوع لمراجعة
حساباته، وأن يُعفى من الضرائب المصرية (نفس المرجع أعلاه، ص 165).
أما في الجزائر فقد كانت جبهة الإنقاذ الجزائرية على علاقة وطيدة بآل
سعود الذين قدموا لها البترودولارات بسخاء (Algeria,
the Next Fundamentalist State, Graham Fuller, p
xx).
وقد أُنشئت جماعة الإخوان المسلمين في الجزائر، والتي ولدت لنا جبهة
الإنقاذ، بواسطة جماعة الإخوان المسلمين المصرية بتمويل سعودي كامل.
فقد أرسلت مصر الشيخ محمد الغزالي ومجموعة من المحاضرين الإسلاميين
للتدريس بجامعة الجزائر فأنشأوا ونشروا فكر جماعة الإخوان. وبالطبع لم
يرمش جفن لآل سعود عندما يئست جبهة الإنقاذ من تولي السلطة بعد أن
استلمها الجيش وألغى نتائج الانتخابات التي كانت سوف تأتي بالإسلاميين
إلى الحكم، فبدءوا حربهم الغاشمة ضد المواطنين الجزائريين، وسرقوا
البنوك واغتصبوا النساء وفجروا الرجال في الأسواق والأماكن العامة. كل
ذلك يهون في سبيل حفاظ آل سعود على ملكهم وإحاطته بدول إسلامية تدعمه.
ولما ازداد الطلب على تمويل الإرهابيين في كل أنحاء العالم، جند آل
سعود حلفاءهم الخليجيين لفتح بنك التجارة والتسليف العالمي
Bank of Credit and Commerce
International
في لندن تحت إدارة باكستانية. وقد اشتهر البنك بتمويل الإرهاب وغسيل
الأموال والمتاجرة بالمخدرات حتى أصبح اسمه غير الرسمي
Bank of Crooks and
Criminals International.
وقد انهار ذلك البنك في عام 1988، ووضعت أمريكا بنك التقوى في البهاما
على قائمة المنظمات التي تمول الإرهاب ومنعت التعامل معه. ولم يكتف آل سعود بذلك، بل فتحوا مدارس التعليم الوهابي في جميع البلاد الإسلامية وفي أوربا والأمريكتين لأدلجة الأطفال المسلمين وتعليمهم الوهابية التي تحث أتباعها على كراهية غير المسلم، وإضمار العداء للمخالف، حسب الفتاوى السعودية التي تمثل الجزء الأكبر من مقررات تلك المدارس، كما أثبت البحث الذي قام به الكونجرس الأمريكي حديثاً. في تقرير مجلس الوزراء السعودي السنوي، (أوضح الدكتور صالح العايد، الأمين العام للمجلس أن التقرير السنوي احتوى على مساعدات مالية أكثر من 84 مليون ريال استفاد منها 150 جهة إسلامية في 55 دولة، كما كان من أبرز إنجازات المجلس المساعدة في إنشاء 22 جامعاً و 16 مركزاً إسلامياً في قارات العالم المختلفة) (الشرق الأوسط، 6/7/2009). هذه الدول الفقيرة التي يموت مواطنوها من الأمراض المزمنة ومن الجوع، تتبرع لها المملكة الوهابية لبناء الجوامع والمراكز الإسلامية لتخرج لها المؤدلجين بالوهابية، بدلاً من تخريج ممرضين ومسعفين طبيين لمساعدة المرضى. ورغم كل هذا البذخ في تمويل الأدلجة والإرهاب، ما زال مواطنو السعودية يعيشون في الفقر ويعاني شبابها من الجنسين من البطالة. وقد أكدت دراسات متعددة نفذتها وزارة الشؤون الاجتماعية حول الفقر في مدينة الرياض، أنه (شكلت الأمية والبطالة وارتفاع نسبة الإعالة في الأسرة السعودية وانخفاض الدخل لدى رب الأسرة العامل أو انعدامه لغير العامل والحوادث الشخصية كوفاة الزوج أو هجره لأسرته أو دخوله السجن أو فصله من العمل وعدم الوعي الاجتماعي للأسر الفقيرة أبرز مسببات الفقر في مدينة الرياض) (الشرق الأوسط، 31/7/2005). وما زالت شوارع الرياض والدمام والخبر تعج بالنساء المتسولات. فبدل إنشاء نظام ضمان اجتماعي يعتني بالأسر الفقيرة وباليتامى والمطلقات وذوي العاهات، تصرف المملكة مليارات الدولار على نشر الوهابية والإرهاب في ربوع العالم. وما يعنينا هنا أن الأموال الضخمة التي منحتها المملكة للإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين سوف تمكن هؤلاء من إغتيال الثورات العربية الحديثة ومحاولة إقامة أنظمة ديمقراطية في تلك البلاد لأن الإسلاميين هم الوحيدون الذين يملكون المال لشراء أصوات الفقراء الأميين وبذلك يفوزون في تكوين حكومات ما بعد ، ويصبحون الساعد الأيمن لآل سعود واستمرار حكمهم العائلي الثورات الفاسد. والآن نرى أن الأخطبوط الوهابي يحاول توسيع الرقعة الحامية له بضم الأردن والمغرب إلى مجلس التعاون الخليجي لزيادة عدد الملوك في المجلس، وحتى يتسني للأخطبوط قمع محاولات التغيير الديمقراطي في تلك البلاد بإرسال جيوش مجلس التعاون لقتل المتظاهرين، كما فعلوا في البحرين. فليس هناك أي هدف آخر من ضم المغرب الذي لا تربطه بالخليج أي رابطة غير نظام الحكم الملكي العائلي. وتلك لعمري لعنة فرعونية لا تقاربها أي لعنة أخرى |
(6) ملعون من قال إن والدى رسول الله (ص) فى النار اسلام بحيري http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=50167&SecID=137&IssueID=0
حديثان رواهما مسلم بدون مشاركة البخارى لإثبات أن أبوى النبى فى النار خالدين.. لأنهما ماتا على الشرك والكفر بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم تكاثرت وتناثرت أقواله على لسان أصحابه ثم انتقلت إلى مسامع وألسنة التابعين - الذين رأوا وسمعوا أصحاب النبى بعد وفاته - ثم شاعت واختلطت بعد ذلك أقواله، عليه صلوات الله، على ألسنة الصادقين والكاذبين والمدلسين على السواء، ولما بدأ عصر تدوين الحديث النبوى استحدث علماء الحديث دلائل وقرائن للتحقق من صدق أو كذب الإسناد - رواة الحديث - وهو ما سمى علم (الجرح والتعديل)، والإسناد هو سلسال أسماء الرجال الذين رووا الحديث صعودا حتى الصحابى الذى سمع النبى أو حكى عنه، ورغم نُبل ووجاهة الفكرة نظريا كمحاولة للتأكد من صحة الحديث فإن سلبيات مخيفة ومريعة قد نتجت عنها فيما بعد، حيث تطورت فكرة (الإسناد) تطورا عكسيا فأصبح يمثل قيدا ليس على قبول الحديث، بل على رفضه بمعنى أنه إذا صح السند وكان رواة الحديث ثقات أو أثبات أو عدول (بتقدير البعض) أدى ذلك طواعية وتبعية إلى قبول الحديث واستحالة رفضه ولو كان يناقض صريح القرآن، فتحول السند من كونه قيدا لقبول الحديث إلى قيد ضد رفضه، مما أدى إلى قبول وتدوين أحاديث تناقض وتضاد القرآن بوضوح وصراحة وجرأة، ومع أن المحدثين الأوائل وضعوا أول ضوابط قبول الحديث وهى وجوبية عدم مخالفة الحديث لصريح القرآن، وما اقترفه أهل التراث يتمثل أمامنا فى الكثير من أحاديث الصحيحين ولكننا سنهتم فى المقال بحديثين من هذه النوعية. الحديثان أخرجهما (مسلم) وهما حول مصير أبوى النبى فى الآخرة: الحديث الأول: (مسلم) باب «بيان أن من مات على الكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين» 203: «حدثنا أبو بكر بن أبى شيبة، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال: يا رسول الله أين أبى؟ قال: فى النار. فلما قفى دعاه فقال: إن أبى وأباك فى النار». الحديث الثانى: (مسلم) «باب استئذان النبى ربه عز وجل فى زيارة قبر أمه» 976: «حدثنا يحيى بن أيوب ومحمد بن عباد (واللفظ ليحيى) قالا: حدثنا مروان بن معاوية عن يزيد (يعنى بن كيسان) عن أبى حازم عن أبى هريرة قال: قال رسول الله: استأذنت ربى أن أستغفر لأمى فلم يأذن لى واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لى». والمراد فى الحديثين إثبات أن أبوى النبى فى النار خالدين، لأنهما ماتا على الشرك والكفر، ودعونا نستعرض ما شيَّده الشارحون والمفسرون من طوابق شاهقة على هذين الحديثين: 1) زيَّن (مسلم) هكذا باستنتاجه الفطن باب الحديث باسم «بيان أن من مات على الكفر فهو فى النار ولا تناله شفاعة ولا تنفعه قرابة المقربين« ولا أعلم كيف جزم (مسلم) بهذا الجزم الذى ليس فيه فقط إيذاء لرسول الله فى أهله، ولكن الأعظم هو الافتراء على القرآن كما سنوضح، ورغم أننى على حد علمى لم أعرف أن (مسلما) كان فقيه زمانه لكى يحكم بهذا وحده، هكذا ابتناء على حديث آحاد، لم يشاركه فى إخراجه معلمه وأستاذه (البخارى)، ولكنه الزهو بالنفس أن يخرِّج الرجل حديثا على شرطه هو، مخالفا للقرآن العظيم ومخالفا للأحاديث الصحيحة كما سنبين، ومدعيا على أبوى النبى ادعاءً عظيما كهذا، ثم من كمال الزهو بالذات تأكيده فى عنوان الباب استنتاجه بجرأة ليست عجيبة على القدماء أن أبا النبى فى النار خالدا لا تنفعه شفاعة النبى. 2) قال (النووى) وهو الشارح الأكبر لكتاب (مسلم) فى تعليقه وشرحه على حديث (أبى وأباك فى النار): «فيه أن من مات على الكفر فهو من أهل النار، وفيه أن من مات فى الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار. وليس هذا مؤاخذهُ قبل بلوغ الدعوة، فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء». ولا أعلم أيضا كيف يملك (النووى) هذه الجرأة أولا على أبوى النبى وذلك فى جزمه أنهما ماتا على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فكيف عرف ذلك وكيف تأكد منه وكيف أجاز لنفسه أن يقول «من مات على الكفر« والمعروف دينا ولغة وبداهة أن الكفر إنما هو الكفر بالدعوة فكيف كفر أبواه عليه صلوات الله بدين لم يُدعيا إليه، ثم يمتلك كالعادة أيضا جرأة عظيمة على تحدى آيات القرآن بقوله «فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم» كيف ذلك والقرآن يخاطب النبى الكريم بقول الله :«وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ» سبأ 44. 3) أما كلام (النووى) عن الحديث الثانى (استأذنت ربى) فيقول: «فيه جواز زيارة المشركين فى الحياة وقبورهم بعد الوفاة وفيه النهى عن الاستغفار للكفار» وهنا يكرر (النووى) ذات الجرأة ويجزم أن قبر أم النبى هو من قبور المشركين ولا أعلم من أين أتى بدليل إشراكها إذ إن المعلوم أنه لم يثبت أبدا برواية متيقنة أنها كانت على دين الشرك الجاهلي، بل الثابت عكس ذلك كما سنوضح، ثم يخلط النووى فى نهاية تعليقه خلطاً كبيرا فيقول «وفيه النهى عن الاستغفار للكفار» فيجعل أم النبى تارة مشركة وتارة كافرة، والفرق بينهما كبير، أو أنه إمعان فى الجرأة وتأكيد لهوان ما يكتبه عليه قد جعلها عامدا من عند نفسه تتصف بالوصفين معا فهى مشركة كافرة، ويا للعجب من جرأة كهذه. 4) أما (البيهقى) فيزيد الجرأة إبداعا وشرحا فيقول فى كتابه (دلائل النبوة) (1/192): «وكيف لا يكون أبواه وجده بهذه الصفة فى الآخرة وقد كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا»، ولا أدرى أيضا بأية طريق استقى (البيهقى) علومه الخاصة التى أكد منها أنهم كانوا يعبدون الوثن حتى ماتوا، فإما أنه رآهم بعينه وهم يعبدون الوثن قبل الإسلام وهذا خيال ومحال، أو لعل ذلك الجزم بعبادتهم الأوثان قد جاءه فى المنام. 5) ثم يأتى دور (ابن كثير) فى تفسيره لكى يضع بصمته فى الأمر فيقول: «وإخباره عن أبويه وجده عبدالمطلب بأنهم من أهل النار لا ينافى الحديث الوارد عنه أن أهل الفترة والأطفال والمجانين يمتحنون فى العرصات يوم القيامة فيكون منهم من يجيب ومنهم من لا يجيب فيكون هؤلاء من جملة من لا يجيب فلا منافاة ولله الحمد والمنة». وما قاله (ابن كثير) هو أعجب العجاب بل هو التعنت بعينه والمغالاة بقبحها فلأنه لا يريد أن يرد أحاديث (مسلم) أن آباء النبى فى النار، ولأنه وجد من طريق أخرى حديثا صحيحا يقول إن أهل الفترة-من ماتوا قبل بعثة النبى - سيمتحنون يوم القيامة بسؤالهم عن الإيمان، ما يعنى أن الحديث يدل على أن آباء النبى ليسا كما زعم (مسلم) من أهل النار، فلم يجد (ابن كثير) مخرجا من الأزمة إلا بجمع بين الحديثين يثير الضحك والبكاء فى آن على ما آلت إليه جرأة القوم على القرآن وعلى النبى، فيقول إن أهل الفترة سيمتحنون ويجيبون يوم القيامة بما يدخل بعضهم الجنة وبعضهم النار ويكون آباء النبى من جملة الناس الذين لن يجيبوا بتوحيد الله لذلك سيدخلون النار، ووالله لولا المقام لكتبت كلاما قد لا يُحتَمل تعليقا على هذا البؤس الذى استنتجه (ابن كثير). 6) عدد من أهل السلف شبُّوا عن الطوق وردوا أحاديث (مسلم)، الأول هو (جلال الدين السيوطى) الذى ألف ثلاث رسائل فى رد حديثى (مسلم) كان أشهرها رسالة (التعظيم والمنة فى أن أبوى رسول الله فى الجنة)، والثانى هو القاضى (ابن العربى) الذى قال بجرأة لا نستطيعها نحن عندما سُئِل عمن يقول إن أبوى النبى فى النار قال: «ملعون من قال ذلك«. أما المعاصرون باستثناء القلب الشجاع (محمد الغزالى) فقد استهجنوا الحديثين ولكنهم التجؤوا للتأويل- التأويل صرف المعنى الظاهر إلى معنى آخر إذا عنَّ ما يقتضى ذلك على أن يكون هذا الصرف مقبولا فى اللغة - إيثارا للسلامة من الدخول فى معارك رد حديث بأحد الصحيحين وارتكنوا فى تأويلهم إلى «أن العرب كانت تطلق على العم كلمة الأب، إذن فالمقصود فى الحديث هو (أبوطالب) عم النبى»، لكن الثابت أن العرب فى سياق كلام واضح كهذا لا يقصدون أبدا العم فى كلامهم عن الأب، فالرجل الذى سَأل النبى من البديهى أنه سأل عن أبيه الحقيقى؛ لذا فلا يُتَصور من النبى وهو أفصح العرب أن يعارضه إلا بمساويه فكان مقصد النبى فى الكلام لاريب الأب الصُلبى الحقيقى، حيث لا يتبادر إلى الذهن ولا تقبل اللغة الكلام هنا عن العم، وأيضا ارتكن المتأولون لمعنى الأب على أنه العم أن القرآن ذكر أن نبى الله (إبراهيم) كان يعظ أباه بقوله:«وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً» الأنعام 74، وقال المتأولون أن اسم أبيه ليس (آزر) كما فى القرآن ولكن اسمه (تارح) أو (تارخ) لذلك فالمقصود بقول الله «لأبيه« هو عمه (آزر)، وبالطبع إن كانت محاولة التأويل تحمل نوايا طيبة، فإن الارتكان على دليل كهذا هو خطأ يراد به تصليح خطأ لأن ادعاء أن اسم أبيه هو (تارح أو تارخ) هو ادعاء مبنى على كذبة فاحشة من آلاف كذبات الإسرائيليات التى دُسَّت فى تفاسير القرآن عن طريق الراعى الرسمى للإسرائيليات (كعب الأحبار)، لذلك فإن معنى الأب فى آيات النبى إبراهيم ينصرف للأب الحقيقى وليس العم. نقد الحديث لتعارضه مع صريح القرآن: (1) قول الله عز وجل: «وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِى أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِى الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ» القصص 59 والآية لا تحتاج شرحا أن الله لا يعذب أحدا ولا يهلك القرى حتى يبعث الرسل. (2) قول الله عز وجل: « وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنذِرُونَ» الشعراء 208 وتلك الآية تحمل نفس المعنى أن الإهلاك مقترن ببعث الرسل المنذرين. 3) قول الله عز وجل: «ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ» الأنعام 131، والغفلة هى عدم إنذارهم برسول. 4) قول الله عز وجل: «وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا» الإسراء 15، وذلك للتأكيد على المعنى المراد أن شرط العذاب هو إرسال الرسل. 5) قول الله عز وجل: «رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ» النساء 165، مما يؤكد أن الحجة لا تقوم إلا بعد إرسال الرسل. وكل الآيات السابقة تكفينا صراحة ووضوحا لرد ألف حديث وليس حديثا واحدا حيث تؤكد أن أهل الفترة ممن عاشوا قبل الرسل لا يعذبون لعدالة ورحمة الله، وإن لم يعف عنهم فعلى الأقل يكون أمرهم موكلا إلى الله تعالى، فكيف نجزم أنهم فى النار ففى ماذا أذنبوا ليدخلوها، وكيف يتساوون فى العذاب مع من سمع دعوة النبى وبلغه القرآن ثم كفر به فأين عدالة الإله، والله يقول: «إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ» النساء 40 أما زعمهم البغيض أن أبوى النبى سمعا دعوة نبى الله إبراهيم ولذلك عُدُّوا من المشركين فالآيات تنضح بتكذيب دعواهم: 1) قول الله عز وجل:« لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ» يس 6، والحديث موجه للنبى الكريم يقول الله فيه ما لا يحتاج إلى شرح بل هو إقرار إلهى بأن قوم النبى ما أنذر آباؤهم، فأى جرأة وقحة هذه التى امتلكها من يدَّعون أن أبوى النبى فى النار لأنهما قد وصلتهما دعوة النبى إبراهيم. فلعله علم خاص بهم لم يعلم به الله - ونستغفر الله من ذلك-. 2) قول الله عز وجل: «وَمَا آتَيْنَاهُم مِّن كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِن نَّذِيرٍ» سبأ 44، نفس المعنى الجلى الواضح أن الله لم يرسل لآباء النبى وقومهم أنبياء. 3) قول الله عز وجل:«لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ» السجدة 3، تأكيد على المعنى المراد. 4) قول الله عز وجل:«لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ» القصص46 فما هو المطلوب أكثر من هذه الآيات الصريحات التى تعضد بعضها بعضا مؤكدة أن أهل الفترة لا يعذبون لأنهم لم تقم عليهم حجة الرسل، والآيات الأخرى التى تجزم أن قوم النبى خاصة لم يأتهم نذير قبل النبى؛ وعليه فإن كل ما يقال بخلاف ذلك كلام هابط مرسل واستدلال مضحك وهزلى. نقد الحديث لتعارضه مع الأحاديث الصحيحة المتفقة مع صريح القرآن: 1) أخرج البخارى (4315) حديثا فى موقعة (حنين) أن النبى لما تولى عنه المسلمون قال: «أنا النبى لا كذب أنا ابن عبد المطلب»، وهنا يتبين أن الرسول يفخر ببنوته لجده (عبدالمطلب) والثابت أن الله أنزل فى كتابه:« وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ» التوبة 3، فلو كان جده صلوات الله عليه من المشركين الخالدين فى النار لتبرأ النبى منه تصديقا لنص القرآن، كما تبرأ النبى إبراهيم من أبيه:« وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ» التوبة 114، فلا يُتصور أن يفخر النبى بجده المشرك وهو مطالب بالبراءة منه ما يؤكد أنه توفى على التوحيد. 2) أخرج مسلم نفسه (2276) قول النبى: «إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل. واصطفى قريشا من كنانة. واصطفى من قريش بنى هاشم. واصطفانى من بنى هاشم«. ولا أعلم معنى فى الاصطفاء إلا النسب المتسلسل الطاهر المبرأ من الشرك لأن الله سبحانه قال فى كتابه العزيز« يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ « التوبة 28، فلا يمكن أن يصطفى الله النجس ولكن الاصطفاء للموحدين الأطهار وذلك ما يؤكد توحيد آباء النبى كما يؤكد بطلان ووهم حديثى (مسلم). 3) قول الله عز وجل فى كتابه: «وَتَقَلُّبَكَ فِى السَّاجِدِينَ» الشعراء 219، جاء عن ابن عباس فى التفسير أن المعنى هو تقلب النبى فى أصلاب أجداده من الساجدين قبل مولده. نقد السند فى الحديثين: 1) هذان الحديثان من أفراد مسلم أى ما انفرد به عن البخارى ولم يتابعه عليه إلا بعض كتب السنن والمسانيد، وذلك بنظر أهل الحديث يعد نزولا عن درجة الحديث الذى اتفقا عليه البخارى ومسلم مع أن رأينا فى هذه المسألة بخلاف ذلك فمن الجائز أيضا اجتماعهم على حديث به علل كثيرة فالعصمة لله ورسوله ولا لأحد بعدهما. 2) هذان الحديثان (آحاد) وقد قرر الكثير من علماء الحديث قديما وحديثا أن (الآحاد) لا يقام عليه عمل ولا عقيدة، وليس هذا فحسب بل هو مخالف كما أوضحنا لصريح القرآن والنقل. 1) أما الرواة ففى حديث (أبى وأباك) الراوى هو (حماد بن سلمة) وقد وثَّقه بعض العلماء ورده بعضهم، كما أن البخارى نفسه لم يقبل أن يخرج له ولو حديثا واحدا كتقرير منه بضعف روايته لأنه كان يخطئ كثيرا وكان يروى بالمعنى وليس باللفظ، وجاء فى (حماد) عند علماء الجرح والتعديل قول (أبو حاتم) فى الجرح والتعديل (9/66): «حماد ساء حفظه فى آخر عمره»، أما أهم ما قيل فيه فقد قال (الزيلعى) فى نصب الراية (1/285): «لما طعن فى السن ساء حفظه. فالاحتياط أن لا يُحتج به فيما يخالف الثقات«، والكلام معناه مهم وهو أن حديثه إذا خالف الثقات لا يحتج به، وقد خالف القرآن بذاته، فأى مخالفة بعد
. هذان الحديثان مردودان لا يصح منهما شىء لمعارضتهما القرآن والأحاديث المتفقة مع ظاهر آياته، لأنه لا يمكن رد النص القرآنى الذى هو قطعى الثبوت وقطعى الدلالة بنص ظنى الثبوت وظنى الدلالة إن تعارضا، فالآيات الكريمات لا تحتمل إلا الثبوت ولا يحتمل معناها معنى آخر غير ظاهرها. |
(7) زواج النبى من عائشة وهى بنت 9 سنين كذبة كبيرة فى كتب الحديث اسلام بحيري http://www.youm7.com/News.asp?NewsID=44788&SecID=137&IssueID=0
السيرة و أمهات الكتب ترد على أحاديث البخارى وتؤكد أن ابنة أبى بكر تزوجت النبى وهى فى الثامنة عشرة من عمرها < حينما تظهر أصوات العقلاء لتدافع عن الرسول عليه الصلاة والسلام مؤكدة بالتاريخ والروايات الموثقة عدم دقة الكثير من الروايات التى يأخذها البعض على الإسلام مثل رواية زواج النبى عليه الصلاة والسلام من السيدة عائشة وهى فى عمر تسع سنين، تواجهها تلك العقبة المقدسة التى تقول بقدسية المناهج الفقهية القديمة، وكتب البخارى ومسلم، وتعصمها من الخطأ، وترفض أى محاولة للاجتهاد فى تصحيح روايتها حتى ولو كانت محل شك، فهى العلوم وحيدة زمانها، والتى لا تقبل التجديد ولا الإضافة ولا الحذف ولا التنقيح ولا التعقيب ولا حتى النقد. وكذا هو الحال مع الرواية ذائعة الصيت التى يكاد يعرفها كل مسلم, والتى جاءت فى البخارى ومسلم, أن النبى (صلى الله عليه وسلم) وهو صاحب الخمسين عاما قد تزوج أم المؤمنين (عائشة) وهى فى سن السادسة, وبنى بها-دخل بها- وهى تكاد تكون طفلة بلغت التاسعة, وهى الرواية التى حازت ختم الحصانة الشهير لمجرد ذكرها فى البخارى ومسلم, رغم أنها تخالف كل ما يمكن مخالفته, فهى تخالف القرآن والسنة الصحيحة وتخالف العقل والمنطق والعرف والعادة والخط الزمنى لأحداث البعثة النبوية, والرواية التى أخرجها البخارى جاءت بخمس طرق للإسناد وبمعنى واحد للمتن-النص- ولطول الحديث سنورد أطرافه الأولى والأخيرة التى تحمل المعنى المقصود, (البخارى - باب تزويج النبى عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها-3894): حدثنى فروة بن أبى المغراء: حدثنا على بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى الله عنها قالت: «تزوجنى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة،... فأسلمتنى إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين». بالاستناد لأمهات كتب التاريخ والسيرة المؤصلة للبعثة النبوية ( الكامل- تاريخ دمشق - سير اعلام النبلاء - تاريخ الطبرى - البداية والنهاية - تاريخ بغداد - وفيات الأعيان, وغيرها الكثير), تكاد تكون متفقة على الخط الزمنى لأحداث البعثة النبوية كالتالى: البعثة النبوية استمرت (13) عاما فى مكة, و(10) أعوام بالمدينة, وكان بدء البعثة بالتاريخ الميلادى عام (610م), وكانت الهجرة للمدينة عام (623م) أى بعد (13) عاما فى مكة, وكانت وفاة النبى عام (633م) بعد (10) أعوام فى المدينة, والمفروض بهذا الخط المتفق عليه أن الرسول تزوج (عائشة) قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام، أى فى عام (620م), وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحى، وكانت تبلغ من العمر (6) سنوات, ودخل بها فى نهاية العام الأول للهجرة أى فى نهاية عام (623م), وكانت تبلغ (9) سنوات, وذلك ما يعنى حسب التقويم الميلادى أى أنها ولدت عام (614م), أى فى السنة الرابعة من بدء الوحى حسب رواية البخارى، وهذا وهم كبير. نقد الرواية تاريخيا: 1 - حساب عمر السيدة (عائشة) بالنسبة لعمر أختها (أسماء بنت أبى بكر-ذات النطاقين-): تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن ( |