المولف في سطور بقلمالدكتور عادل نادر عليجامعة الرازي ـ كرمانشاه حياته : كانت ولادته على ما كتبه والده المرحوم المولى حيدر محمد بخطه في ظهر القرآن الكريم الموجود صورته الفتوغرافية في كتاب نابغه علم و عرفان في الثامن والعشرين من شهر جمادى الاُولى سنة 1251 هـ . فقد أباه وهو في الثالثة من عمره، فتولاّه أخوه المولى محمد علي. بادر في حداثة سِنّه بتعلم القرآن، ثم سافر إلى مدينة مشهد طباً للعلوم الأدبية ثم إلى النجف الأشرف لأخذ العلوم الدينية ثم إلى مدينة سبزوار لأخذ العلوم العقلية من الحكيم الشهير الحاج ملاّ هادي السبزواري، وهنا أدركته جذبة من جذبات الحق فترك سبزوار متوجهاً إلى إصفهان طالباً مقصوده فالتقى بالعارف الشهير الحاج محمد كاظم الملقب بسعادة علي شاه فتلقى الأذكار القلبية منه ودخل في سلك الصوفية وفي السلسلة المشهورة ب النعمة الإلهية، وفي العودة من إصفهان تزوج ابنة الحاج ملاّ علي البيدختي حيث أمره مرشده بإطاعة أمر أُمّه في الزواج، وبعد مدة قليلة تهيجت أشواقه لزيارة شيخه مرة ثانية، فسافر إلى إصفهان، وفي سنة 1284 هـ مُنِحَ درجة شيخ أي إجازة الإرشاد وتلقين الأذكار القلبية والأوراد المأثورة ولقب ب سلطان علي شاه وفي سنة 1293 هـ تُوفي شيخُهُ وبوفاة الشيخ انقسمت السلسلة إلى سلاسل متعددة، فترأس سلطان علي شاه السلطة الجنابذية وأصبح قطبها ومؤسسها، فاستقر في قرية بيدخت في ضواحى مدينة جنابذ الواقعة في مقاطعة خراسان، وفي سنة 1305 هـ حج بيت اللّه الحرام وزار العتبات المقدسة في العراق والتقى بكثير من العلماء كالحاج ميرزا حسن الشيرازي وفي ليلة السبت السادس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 1327 هـ تُوفي مخنوقاً غريقاً فدفن في بيدخت ولهذه السلسلة الجنابذية آدابها ورسومها في حلقات الذكر العملي ولها اعتقاداتها الخاصة بها أيضاً لها زوايا وتكايا كثيرة منتشرة في جميع بلاد إيران، وهنا نترك الكلام حول هذا الموضوع مخافة الإطالة والخروج عن مادة البحث. أقطاب هذه السلسلة : انشعبت السلسلة الجنابذية من السلسلة النعمة الإلهية بعد وفاة سعادة علي شاه فترأسها سلطان علي شاه وسميت بإسمه الجنابذية وبعد وفاة سلطان علي شاه استخلفه ولده الملقب بنور علي شاه الثاني وبعد وفاته سنة 1337 هـ استخلفه سليله الملقب بصالح علي شاه ثم استخلفه ابنه سلطان حسين تابنده الملقب برضا علي شاه ثم استخلفه ابنه الملقب بمحبوب علي شاه، ثم استخلفه عمه القطب الحالي لهذه السلسلة الملقب بتابندة والسلسلة هذه هي من أكبر السلاسل الصوفية الشيعية عدداً في إيران، ولها آدابها الخاصة ومن أهمها اختصاصهم بحالة البسط دون القبض المصطلح عند الصوفية، وذلك لتركهم الانزواء المنتج للقبض ومعاشرة الناس المنتج للبسط. مؤلفاته : للجنابذي مؤلفات باللغتين العربية والفارسية، والمشهور منها باللغة العربية هو الإيضاح، وبيان السعادة في مقامات العبادة، وبالفارسية، سعادتنامه، مجمع السعادة، ولايتنامه، بشارة المؤمنين وتنبيه النائمين. ولما كان المؤلف شديد العلاقة بشيخه سعادة علي شاه سمي ثلاثة من مؤلفاته بإسمه وهي سعادتنامه، بيان السعادة، مجمع السعادة. طبعات التفسير: طبع للمرة الاُولى سنة 1314 هـ بنفقة الحاج محمد حسن خطيب الطهراني وميرزا محمد حسين خان سر رشته دار الإصفهاني وغلامرضا خان مصدق السلطان المشهدي في مجلد واحد كبير. وطبع للمرة الثانية سنة 1385 هـ في مطبعة دانشگاه تهران = جامعة طهران في أربعة مجلدات كبيرة. مراجع التفسير في بيان السعادة: نرى في خطبة الكتاب، أنّ المفسر يذكر مراجعه في التفسير والحديث بشكل يكاد يختفي على من لا بصيرة له بأسلوب البيان بين هؤلاء القوم، فيقول في خطبة التفسير بعد الحمد والثناء على اللّه: ... والصلاة والسلام على ملائكته وأنبيائه ورسله خصوصاً على من أنزل عليه القرآن، الذي هو مجمع البحرين للوجوب والإمكان، ومجمع البيان لكل ذكر وكتاب وتبيان، الصافي عن كلّ مين وخلف وارتياب، والوافي بكل وعد في خير وصواب والشافي لكلّ مرض وعناء في النفوس والأجسام، والكافي للبصير عن كل كتاب وخطاب وكلام، ، فها هو يذكر مراجعه بشكل ظريف، مجمع البحرين في اللغة، مجمع البيان والتبيان والصافي في التفسير، الوافي والشافي والكافي في الحديث. وبالإضافة إلى هذه المراجع، نراه يستشهد في الأبحاث الفلسفية والعرفانية بالأشعار الفارسية للشاعر الشهير والعارف الكبير مؤسس السلسلة المولوية المولى جلال الدين الرومي المولوي. منهجه في التفسير: لهذا التفسير مقدمة جعلنا المفسّر في أربعة عشر فصلاً ولعلّه جعلها أربعة عشر فصلاً تيمّناً بالأربعة عشر المعصومين (ع)، يذكر المفسر في هذه الفصول مجموعة من علوم القرآن على طريقة صوفية الشيعة وعلى سبيل المثال أنقل قسماً من الفصل الثاني من هذه المقدمة وهي في العلم والجهل، فيقول: «اعلم أن الإنسان واقع بين داري الرحمن والشيطان، ولنفسه وجه إلى اللّه ويقال له وجه الربّ ووجه إلى الشيطان ويقال له وجه النفس أي أنانيته، ولا يكون رؤية الوجود من النفس ونسبته إليها إلاّ بهذا الوجه، وهذان الوجهان للنفس هما الآخرة والدنيا اللتان هما الضرتان، والإقبال إلى كلّ أضرار بالأخرى، وهما العقل والجهل في العالم الصغير، ويطلق العقل والجهل على مدركاتهم أيضاً، وسعة كلّ من الوجهين بزيادة مدركاته وسعتها، لأنّ فعلية الإنسان بفعلية مدركاته، فكلّما ازداد المدركات الجهلية ازدادت الأنانية وضعفت الوجهة الربانية، وكلما ازداد المدركات العقلانية قويت الوجهة الربانية وضعفت الوجهة الجهلانية والأنانية، وكلما ازدادت الجهالات في الإنسان ازداد فيه تصرف الشيطان بل لا تكون تلك المدركات إلاّ بإمداد الشيطان وإفاضته، فهي في الحقيقة فضلاته على وجه النفس، فالإنسان إن لم يكن ذا وجه إلى الربّ كأن لا محالة ذا وجه الى الشيطان وكانت صفحة نفسه بتصرف الشيطان فيلقي عليها ما يشاء بحسب استعدادها... كما ولهذا التفسير أمور مختصة به قلَّ ما توجد في غيره من التفاسير منها: 1ـ ربط الآيات وجعل الآيات اللاّحقة مربوطة بالسابقة والحال إن جمع الآيات لم يكن بترتيب نزولها بل المشهور هو الاجتهاد في ترتيب الآيات، والمؤلف أيضاً قائل به، ولكنّه مع ذلك يقول إنّ تآلف الآيات القرآنية وجمعها بالترتيب الموجود بين الدفتين دليل على أنّ العلم الإلهي والإرادة الأزلية قد تعلقتا بجمعها كذلك، كما قال اللّه تعالى شأنه: إِنَّ عَلَينا جَمعَهُ وَقُرآنَهُ وعلى هذا ربط المؤلف أكثر الآيات بسابقها وذكر وجه الربط وإن لم تكن مربوطة في ظاهر المعنى والمفهوم. 2ـ تفسير جميع الآيات المرتبطة بالعقائد والإيمان والكفر، بالإيمان والكفر بالولاية، والاهتمام التام بشأن ولاية علي (ع) والأئمة المعصومين من ولده، وإنّ الإيمان باللّه عين الإيمان بالولاية، والكفر بها مستلزم للكفر به» وفي هذا أيضاً استند إلى الأخبار النبوية المتفق عليها لدى الفريقين والأحاديث المروية عن الأئمة ع، وهذا النظر وإن كان في الظاهر غلواً حتى زعم بعض أهل اللجاج أنّ هذه العقيدة من الغُلاة والشيعة منهم، ولكنّها ليست كذلك، بل مستندة إلى الأخبار وإلى الدليل العقلي، لأنّ الولي في اصطلاح الأخبار ولدى العرفاء أي الأولى بالتصرف كما قال تعالى شأنه: اللّهُ وليُّ الَّذينَ آمَنُوا. وقال عزّ وجلّ: النبيّ أَولى بالمؤمنينَ مِن أَنفسِهِمْ. وهذا المعنى أيضاً حقيقة مشككة ذات مراتب متفاوتة باختلاف المظاهر الكاملة في كلّ زمان ويشمل جميع الأنبياء والأولياء والكُمَّل المطاعين في كلّ زمان وهم بعد رسول اللّه (ص) الأئمة المعصومون (ع) والمرتبة العليا من هذه الحقيقة متحدة مع مقام المشيئة والواحدية وتجلّي الأسماء والصفات ومقام الجامعية المسماة باللّه والفيض المقدس الذي كان محمد ص وبعده علي ع مظهراً تاماً ومرآة له، وهذه المرتبة محيطة بما سوى اللّه فكذلك مظهره التام وهو الرسول (ص) وبعده خلفائه وأوصياؤه المعصومون، فكما يكون الإيمان والكفر في المقام العالي منتسباً إلى هذه المرتبة كذلك في مقام المظهر والمرآة، والإيمان بالمظهر إيمان بالظاهر والكفر به كفر به، والأخبار أيضاً دالة عليه بل يمكن أن نقول، هو من أُصول الشيعة. 3ـ تحقيق وجود الجن وإثبات وجوده ببيان فلسفي عرفاني مليح 4ـ رأي المفسر بطهارة أهل الكتاب وترجيحه القول بالنجاسة العرضية عند تفسير لآية «وطعامُ الّذينَ أوتوا الكتابَ حلٌّ لَكُم 5ـ القول باختصاص حلّية عقد الكتابية بالتمتع والانقطاع وعدم جواز نكاحها بالعقد الدائم وذلك عند تفسير الآية ...إِذا آتيتموهُنَّ أُجُورَهُنَّ 6ـ تحريم السفر في يوم الجمعة على من كانت المسافة بينه وبين مجتمع الناس للجمعة أقل من فرسخين أو بقدر فرسخين، بل لزوم ترك البيع فيه استناداً إلى الآية يا أيّها الّذينَ آمَنوا إذا نُودِيَ للصَّلاةِ مِنْ يَومِ الجُمعةِ ... وللمفسر كثير من الإشارات والتأويلات والرموز العرفانية كتفسير الصدّ عن سبيل اللّه بالصدّ عن سبيل الولاية، وغيرها من التأويلات وهي مستندة غلاباً إلى الأحاديث الشيعية أو إلى البرهان العقلي الفلسفي، ونحن نكتفي بنقل أهمها على سبيل المثال. تفسيره للمساجد في الآية ... وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَنَعَ مَساجِدَ اللّهِ يقول المفسر إنّ المساجد الحقيقيّة هي الصدور المنشرحة المستنيرة ويقصد بها أولياء اللّه فيقول: والمساجد جمع المسجد وهو محل السجود وهو غاية الخضوع فتمام الأرض مسجد بهذا المعنى لأن جملة ما فيها ليس لها إلاّ التذلل فجملة وجه الأرض محلل لتذلل ما فيها وقال النبي (ص): جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً لشهوده (ص) سجود الكلّ في كلّ الأرض وبهذا المعنى صارت الصدور المنشرحة بنور الإسلام والقلوب المستنيرة بنور الإيمان مساجد حقيقية لسجود كل ما فيما وتذللهما حقيقة، وامتياز المساجد الصورية من بين بقاع الأرض بإسم المسجد وإسم بيت اللّه ليس لهذا المعنى ولا خصوص البقعة ولا خصوص اللبنة والطين والجصّ وسائر آلات البناء، ولا خصوص البناء والعملة وإلاّ لشاركها في هذا الإسم كلما شاركها في هذه بل الامتياز بنية الواقف لأن الواقف إذا كانت نيته صحيحة خالصة لوجه اللّه غير مشوبة بأغراض النفس صار صدره منشرحاً وقلبه مستنيراً وصارا مسجدين للّه وبتوجهه إلى تلك البقعة تصير البقعة مستنيرة وتمتاز بالمسجدية وبكونها بيت اللّه، فإذا صار الإنسان متمكناً في ذلك الانشراح والاستنارة صار مسجداً وبيتاً للّه على الإطلاق، وإن لم يكن متمكناً فيها كان مسجداً وبيتاً للّه وقت الاتصاف بهما، وكلما ازداد واشتدّ الاتصاف به ازدادت واشتدت المسجدية والبيتية للّه، وكلما اشتدت مسجديته للّه اشتدت مسجديته ما بناه للّه، فالمساجد حقيقية والبيوت التي أذِنَ اللّهُ أن تُرفَع هي الصدور والقلوب المنشرحة المستنيرة وبعدها أصحاب تلك الصدور والقلوب، وأما المساجد الصورية فهي مساجد حقيقة باعتبار المعنى الأول الذي به تكون جملة بقاع الأرض ومساجد لكن امتيازها عن سائر بقاع الأرض بإسم المسجدة فليس إلاّ بتوجه المساجد الحقيقية التي هم الواقفون لها ولذلك فسروا ـ أي الأئمة ـ المساجد والبيوت التي أذن اللّه أن ترفع في أخبار كثيرة بأنفسهم...» وإني لأظن أنّ من لا خبرة له بالإشارة والرموز العرفانية لا يستطيع فهم هذا التفسير، بل على القارئ أن يكون له المام بهذه الرموز والاحاطة بالأحاديث الشيعية للإستفادة من هذا التفسير، فهو تفسير عرفاني مشحون بالأبحاث العرفانية والبراهين العقلية الفلسفية مستندة بالأحاديث المروية عن النبي (ص) وأهل بيته (ع). علم القرآن جميعه عند محمد ص والأئمة ع : يعتقد المؤلف ـ كما يعتقد جميع الشيعة ـ إنّ علم القرآن جميعه عند النبي (ص) والأئمة (ع)، وذلك لأنّ القرآن هو شرح لدرجات الوجود بأجمعها والنبي (ص) والأئمة (ع) هم الذين قد جمعت فيهم جميع هذه الدرجات، ففي الحقيقة علم النبي (ص) والأئمة (ع) بالقرآن هو علمهم بأنفسهم ودرجاتهم، وأما من عداهم فعلمهم بمعاني القرآن قاصر لا يبلغ المبلغ الذي خصَّ به النبي (ص) والأئمة (ع) وذلك في نظر المفسر راجع إلى تفاوت المقامات التي يتفاوت العلم بتفاوتها فيقول المؤلف في هذا المجال في الفصل العاشر من مقدمته ما نصه: «قد مضى أنّ بطون القرآن وحقائقه كثيرة متعددة وأنّ بطنه الأعلى وحقيقته العُليا هو محمدية محمد (ص) وعلوية عليّ (ع) وهو مقام المشيئة التي هي فوق الإمكان وكلّ نبي ووصي كان لا يتجاوز مقامه إلاّ مكان سوى محمد (ص) وأوصيائه ومن لم يبلغ إلى مقام المشيئة لا يعلم ما فيه ولا يبين من ذلك المقام شيئاً، لأن المفسر لا يتجاوز في تفسيره حد نفسه فكل من علم من القرآن شيئاً أو فسر منه شيئاً وإن ما بلغ ما بلغ من المقامات لا يكون علمه وتفسيره بالنسبة إلى علم القرآن إلاّ كقطرة من بحر محيط، فإن حقيقة القرآن التي هي حقيقة محمد (ص) وعلي (ع) هي مقام الإطلاق الذي لا نهاية له، والممكن وإن كان إشراف الممكنات الذي هو العقل الكلّي يكون محدوداً ولا يتصور النسبة بين المحدود وغير المتناهي الغير المحدود، فعلم كلّ عالم ومفسر للقرآن بالنسبة إلى علم القرآن كقطرة إلى البحار، ولما كان مقام محمد (ص) وعلي (ع) وأولاده المعصومين مقام المشيئة كان علم القرآن كلّه عندهم وكان علي (ع) هو من عنده علم الكتاب كما في الولاية بإضافة العلم إلى الكتاب المفيد للاستغراق... وكان إبراهيم (ع) ابتلاه ربّه بكلماتٍ محدودةٍ لا بجملة الكلمات مع أنه كان أكمل الأنبياء بعد نبينا (ص) وكان محمد (ص) يؤمن باللّه وكلماته جميعاً كما في قوله تعالى: «فآمنوا باللّه ورسوله النبي الأُمي الذي يؤمن باللّه وكلماته » فإن الكلمات جمع مضاف مفيد للاستغراق وليس المراد به الإيمان الإجمالي وإلاّ لشارَكَهُ غيره فيه بل الإيمان التفصيلي، والإيمان التفصيلي لا يكون إلاّ بإدراك المؤمن به شهوداً أو عياناً. فضيلة الصلاة على النبي (ص) : يعتقد المفسر بأن لجميع الرسل والأنبياء مراتب ودرجات من مقام النبي (ص) الكامل فلهذا كلّ من بايع الرسل والأنبياء من الأمم السالفة في الحقيقة قد بايع نبينا ص وحقيقة صلاة كل سالك هو التذكر والتوجه إلى النبي (ص) وجعل صورة النبي ص أو شيخه نصب عينه في كلّ عبادة بل في كلّ آن ولحظة وغاية كلّ سالك في شتى عباداته ظهور صورة الشيخ أو النبي (ص) واتصاله حالاً مع روحانية النبي (ص) أو شيخه إلاّ أنّ هناك خلاف بين من يرى من السلاسل الصوفية أنّ غاية السالك في عباداته اتصاله روحياً مع النبي (ص) أو شيخه ومن يجعل تذكر صورة الشيخ كقنطرة ومجاز للوصول إلى هذا الاتصال مع العلم بأنّ تمثل صورة الشيخ نوع من عبادة الأصنام إلاّ أنّهم لا يرون طريقاً إلى هذا الاتصال إلاّ عن طريق هذا المجاز. وفي هذا المجال يقول المفسر: «ولما كان محمد (ص) أصل جميع الخلفاء وكلّ الخلفاء كانوا أضلاله شؤونه كان كلّ ما يحصل من جميع الخلفاء (ع) يحصل منه (ص) وكلما يلزم لجميع الخلفاء من النظر والخدمة والتعظيم والتذكر والتأمل في شئونهم يلزم له وحده وكان كلّ من بايع واحداً من الخلفاء كان كمن بايع محمد (ص) فكان كلّ من دخل في الإسلام أو الإيمان لم يكن له عمل أعظم قدراً وأفخم أجراً من التوجه إلى محمد (ص) والتذكر له والدعاء له وطلب الرحمة عليه والانجذاب إليه بحيث يظهر هو إليه يظهر هو أو أحد من خلفائه بحسب ملكوته على صدره ولذلك ورد عن أبي عبداللّه (ع) أنه قال: جاء رجل إلى رسول اللّه ص فقال: أجعل نصف صلواتي لك؟ قال: نعم، ثم قال: أجعل صلواتي كلّها لك؟ قال: نعم، فلما مضى قال رسول اللّه (ص): كفُي هَمّ الدنيا والآخرة، وفي خبر عنه (ع): انّ رجلاً أتى رسول اللّه (ص) فقال: يا رسول اللّه (ص) إنّي جعلت ثُمن صلواتي لك، فقال له: خيراً، فقال: يا رسول اللّه (ص) إنّي جعلت نصف صلواتي لك، فقال له: ذلك أفضل، فقال: إنّي جعلت صلواتي لك؟ فقال: إذن يكفيك اللّه عزّ وجلّ ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك، فقال له رجل: أصلحك اللّه كيف يجعل صلواته له؟ فقال أبو عبداللّه (ع) لا يسأل اللّه عزّ وجلّ إلاّ بدأ بالصلوات على محمد وآله، وأمثال هذه الأخبار كالقرآن ذات وجوه وهي مرادة بكل وجوهها بحسب مراتب الناس فإنّ الصلاة تكون بمعنى الدعاء، والغائب عن الحضور لا يكون صلواته لمحمد (ص) إلاّ دعائه له، ويكون بمعنى الصلاة المشروعة المشتملة على الأفعال والأذكار المخصوصة، والحاضر عند محمد ص يجوز أن يكون دعائه له وأن يكون معنى صلواته له أن يكون في صلواته المشروعة غير ناظر إلى غيره، ويكون المخاطب في الصلاة بل المتكلم بل الفاعل محمداً (ص) كما هو شأن من حصل له حالة الحضور عند شيخه، ومن حصل له هذه الحالة كفى جميع مهماته، بل حصل له جميع خيرات الدنيا والآخرة، بل يكون له الغناء عن الدنيا والآخرة، ولذلك كان المشايخ رضوان اللّه عليهم مهتمين بتحصيل هذه الحالة للسالكين ولم يكن للسالكين منظور إلاّ حصول هذه الحال، وكان مشايخ العجم يأمرون السُلاّك بجعل صورة الشيخ نصب عيونهم تعملاً حتى يحصل بذلك التعمل هذه الحال، وبعدما يقال لهم: إنّ هذا كفر وتقيد بالصورة واشتغال عن المعبود والمسمى بالإسم، يجيبون بأنّ هذا كفر وتشبه بعبادة الأصنام لكنه كفر فوق الكفر والإيمان، وإليه أشار المولوي قدّس سرّه: آينه دل چون شود صافى و پاك نقشها بينى برون از آب و خاك هم ببينى نقش و هم نقاش را فرش دولت را و هم فراش را چون خليل آمد خيال يار من صورتش بت معنى او بت شكن شكر يزدان را كه چون او شد پديد در خيالش جان خيال او نديد وهذا الشعر إشارة إلى أنّ الحضور لدى الشيخ وإن كان ظاهره قيداً وكفراً لكنه بحسب المعنى والواقع إطلاق عن القيد لا إنّه تقيد به. الوالدان والأقرباء : يعتقد مفسرنا بأن العلل هي الآباء والمعلومات هي الأولاد، ففي قوس النزول للوجود عند من يعتقد بوحدة الوجود، العقل هو المعلول الأول لذات اللّه تعالى والنفس هي حاصلة من تجلي وإشراق العقل كما نرى في قصة آدم وحواء، إذ آدم العقل هو المحصول الأول وحواء النفس قد ظهرت من تجلي آدم العقل، فالذات والد العقل والنفس مولود العقل، فعندما يأمر اللّه الإنسان في كتابه العزيز بإطاعة الوالدين يستنتج من له هذه العقيدة بأن النفس التي هي مولودة العقل عليها إطاعة العقل الذي هو الوالد، فعلى النفوس إطاعة العقول وعلى العقول إطاعة اللّه، أي على الناس الذين هم مصاديق النفس أن يعبدوا اللّه عن طريق إطاعة العقول التي هي وجوه اللّه، وبعبارة أخرى لا يمكن لمسلم أن يطيع اللّه إلاّ بإطاعة الرسول (ص) وخلفائه. وإليك باختصار ما يقوله المفسر: «... فالأفلاك والعناصر آباء للمواليد، والعقل والنفس الكيان والدان لعالم الطبع إذ بالقاء الأفلاك بحركاتها الدورية وكواكبها التي هي كالقوى الإنسانية الآثار على العناصر وقبول العناصر لها كتأثر النساء عن الرجال وقبول أرحامهم لنطفهم يتولد المواليد وتنمو وتبقى وهي في بقائها ونمائها أيضاً محتاجة إلى تلك الآباء بخلاف حاجة الحيوان إلى آبائها الجسمانية فإنها بعد حصول مادتها وحصول قوام ما لمادتها مدة كونها في الرحم غير محتاجة إلى آبائها، وبالقاء العقل الكلّي نقوش العالم على لوح النفس الكلية التي هي كالبذور يوجد عالم الطبع وعالم الطبع في بقائه محتاج إلى ذينك الوالدين، هذا في العالم الكبير وأما في العالم الصغير الإنساني فبعد تسويته يوجد آدم الصغير وحواء الصُغرى بازدواج العقل والنفس وبازدواجهما يولد بنو آدم وذريتهما، وبازدواج الشيطان والنفس الأمارة يولد بنو الجان وذرية الشيطان؛ هذا بحسب التكوين في العالمين، وأما بحسب الاختيار والتكليف وهو مختص بالإنسان الضعيف فقد جرت السُنَّة الإلهية أن يكون توليد المواليد الإختيارية من القلب ومراتبه وجنوده الخلقية والعلمية والعيانية بتعاضد نفسين مأذونتين من اللّه وإيصالهما إثر الأمر الإلهي إلى المكلف بتعاضدها لتطابق التكليف والتكوين فإن الأوامر التكوينية وموافقة لها، وإن لم ندرك في بعضها كيفية التوافق لعدم العلم بالتكوين وتلك السُنَّة كانت جارية من لدن آدم (ع) إلى زماننا هذا وتكون باقية إلى انقراض العالم، وإن لم يبق لها أثر ولا بين العامة منها ذكر ولا خبر، فإن صحة الإسلام في الصدر ودخول الإيمان في القلب ما كان إلاّ بتعاضد شخصين يكون أحدهما مظهراً للعقل الكلّي، والآخر مظهراً للنفس الكلّية في معنى السُكر : يعتقد مفسرنا بأنّ السكر لا يقتصر على الحالة الحاصلة من شرب الخمر، بل كلّ حالة تمنع العقل في تدبيره السليم للأمور هي كالخمر المحرم في الشرع، ففي اعتقاده إن الحرص والحسد وحبّ الدنيا هي أحوال تطرأ على النفس فتمنع العقل من تدبيره الصحيح، فهذه الصفات حالها كحال الخمر وصاحبها سكران مادامت هذه الصفات متعلقة بنفسه، وإليك ما يقوله في هذا المجال: «والسكر من السكر بمعنى السد ويسمى الحالة الحاصلة من استعمال شيء من المسكرات سكراً، لسدها طرق تصرف العقل في القوى وطرق إنقياد القوى للعقل، ولا اختصاص لها بالخمر العينيّة المعروفة بل كل ما يحصل من تلك الحالة شرباً أو أكلاً أو تدخيناً أو غير ذلك فهو خمر النفس سواء حصل منه السكر المعروف كالفقاع والعصيرات... أو لا كالحرص والأمل والحبّ والشهوة والغضب والحسد والبخل...» وبإمكاننا أن نستخرج الكثير من اعتقادات المؤلف في أصول الدين وفروعه من خلال عباراته وإشاراته المجملة في تفسيره هذا، إلاّ إننا نترك التفصيل ونحيل القارئ إلى مطالعة التفسير بدقة، وإني لا أعتقد بأن مطالعة هذا التفسير ليس سهلاً على من لا خبرة له برموز القوم، فمن الواجب على القارئ الكريم أن يقف على رموزهم وإشاراتهم قبل مطالعة هذا التفسير
المصدر : http://www.hawzah.net/per/magazine/ah/011/AH01117.ASP |